- قصة قصيرة / عائشة إبراهيم
ضعي السكر في كأس الحليب ولا تخبري أحداً أنك شاهدت انفجار القذيفة قبل أن يفطر الصائمون، قولي للأطفال أن هذا رعد وسوف يؤمّن الله كلماتك ببعض المطر، قولي للصديقات أنك بخير، وأن القتال قد توقف لأجل العيد، وأرسلي بطاقات تهنئة لقروب المعلمات وقروب الأسرة، وقروبات البيع بالبطاقة المصرفية، ولكل الأصدقاء على المسنجر، أرسلي صورة كعك، وقلباً أبيض، وضحكة كبيرة.. قهقهة طويلة مليئة بالحروف.. دعي كل من حولك يعلم أنكِ آمنة وسعيدة، وأنكِ مهما حدث، وحتى لو سقط البيت فوق رأسك لن تفكري ثانية في العودة إلى مخيم النزوح.
هل قلتِ المخيم؟ لا لا، من قال تلك الكلمة سيئة السمعة، لا تذكري ذلك ثانية، امسحي هذا من ذاكرتك كما تحذفين رسالة سبام من مرسل مجهول، المدرسة لن تكون مكاناً للنزوح، ولن يصبح فصل رابع- أ بعد الآن غرفة نومك، إنه فصل تلاميذك، على ذلك اللوح الأبيض كانوا يرسمون الأشكال الهندسية، وهنالك عدنان يكتب جدول الضرب وغيداء تجري عملية القسمة المطولة، وهذا مقعد أفنان ونيروز، وذلك مقعد طه ووسام، وهذا مكتبك، هنا كنت تضعين حقيبتك ودفتر تحضير الدروس.. كيف أصبح مكتبك طاولة مطبخ وفوقه أكياس الخبز والخضار؟ كيف تتجولين في الفصل بقميص النوم وشعرك منكوش، تفترشين وأطفالك وزوجك المرتبات الرديئة التي تبرع بها المحسنون. كيف تنهضين على صفارة التنبيه في السابعة صباحاً وتقفين في الطابور، تزاحمين النزيلات على حمام النساء في نهاية الممر، يعلو صراخ أطفالهن حين يصفع الماء البارد وجناتهم الرقيقة، تخنقك رائحة البول والوساخة الجماعية، وأكداس الحفاظات على الأرضية الزلقة، تلاحقين صغيرك فتسقط منشفتك على الأرض، تشاهدين فرشاة أسنانك في فم إحداهن، فتعتذر لك عن الخطأ غير المقصود، تسمعين الكثير من الاعتذارات منذ أن فررت من بيتك في تلك الليلة، أتخمتك الاعتذارات، الكلمات البائسة التي تنمق التصريحات والمؤتمرات والبيانات المتلفزة والوفود الدولية عالية المستوى، وجميعها لا تعيد إليك لحظة من بهجة حمامك ودفء بيتك العابق بالبخور.
صباح بائس، برائحة النتانة والاعتذار، تعودين إلى غرفتك، إلى فصل رابع- أ، زوجك ما يزال نائماً، تصرخ المشرفة وهي تطرق الباب: على الرجال الخروج من الغرف والبقاء في الصالة المخصصة لهم. تحاولين إقناع نفسك بأنه إجراء اعتيادي في الأماكن المختلطة، حفاظا على الفضيلة في البلد المحافظ، ماذا دهاك؟ لا تكوني متحاملة.
في الثامنة صباحا، يوزعون أكواب الشاي بالحليب، والزبد، والمربى، والبيض، وحبوب الصداع، في التاسعة القطن وحفاظات الأطفال، في العاشرة مطهر المراحيض والمبيد الحشري، تأمركِ المشرفة بالالتزام بدورك في تنظيف المراحيض.. تكشطين الكم الهائل من الوساخة، تتقيئين وجبة الغداء، في الخامسة مساء تأتي مستشارة الصحة للكشف عن النظافة، عليك أن تتصرفي كتلميذة مطيعة وتخضعين للتفتيش، شعرك! أظافرك!، رائحة فمك! حسنا كل شيء على ما يرام فقد صرفوا لك منشفة وشامبو وفرشاة أسنان جديدة، تأتي المستشارة الاجتماعية، تأمر بخروج الأطفال، تبتسم النساء بخبث وبعضهن بحياء. صياح الأطفال يأتي من الخارج ينبئ بعراك عنيف، تتلعثم المستشارة، تصرخ المشرفة، وتتزاحم الأمهات مولولات باتجاه الباب، يتراكض الأزواج ويطلقون الشتائم واللعنات.
– هيه ماذا فعل لك؟
– أبنك بلا تربية.
– بل أبنك بلا تربية.
– أنت تهينني.
– أنت من بدأ.
– أنت وأبنك وكل عائلتك بلا تربية
– يا ابن. . . . .،
تسمعين شتيمة من العيار الثقيل، أطفالك يضحكون، يبدوا أنهم سمعوها من قبل، تضعين يدك على فمك، ثم على أذنيك، تبحثين عن أصابع إضافية لتغلقي آذان أطفالك، تجرينهم من ثيابهم وتركضين إلى غرفتك، إلى فصل رابع-أ، تجمعين حوائجكم في الأكياس المبعثرة.
– سأموت في بيتي، تحت القذائف ولن أبقى هنا يوماً واحداً.
هيا استيقظي، فقد جاء العيد، حنوناً مثل كل مرة، سعيداً لأنه يشم رائحة الكعك والبخور في بيتك، يطل من النافذة.. النافذة التي تتركينها مفتوحة كل ليلة لأنها مثلك ترتعش من أصوات القصف، يراك تضمين أطفالك وتضعين أصابعك على آذانهم.. تخبرينهم أن ذلك صوت رعد، وتدعين الله أن يؤمن كلماتك ببعض المطر.