الغابة

الغابة

 محمد عبدالرحمن شحاتة

منذُ امتهنتُ جمعَ الأحطابِ، وأنا أتجوَّلُ في أرجاءِ الغابةِ، وكلما رأيتُ شجرةً تصلحُ للتحطيبِ، نشرتُها بمنشاري، لتسقطَ من ارتفاعها الشاهقِ، بينما يُحدِثُ احتكاكها مع الرياح صوتًا يشبهُ الصرخةَ، وكأنها تصرخُ اعتراضًا على اقتلاعها.

ذاتَ صباحٍ؛ وجدتُ ملصقاتٍ قد علَّقتها البلديةُ على جذوعِ الأشجار، تفيدُ بأن ابتداءً من اليومِ، من يقطعُ شجرةً؛ يعرِّضُ نفسَه للمساءلةِ القانونية، حينها عدتُ أدراجي، ولم أحصل على قوتِ يومي.

ذلكَ الأمرُ جعلني أبحثُ عن أشجارٍ للتحطيبِ في أماكنَ بعيدةٍ، وقد آثرتُ أن يكونَ التحطيبُ ليلًا، كي أبتعدَ عن عيونِ المراقبين، في هذه الليلةِ سرتُ مسافةً طويلةً في الغابة، لمنطقةٍ لم تطأها قدماي بعد.

الأشجارُ في هذهِ المنطقةِ تصلحُ جميعها للتحطيب، نويتُ أن أحضرَ إلى هنا كل ليلةٍ؛ كي أقطعَ شجرةً، ثمَّ بدأتُ في قطعِ الشجرةِ الأولى، ولما سقطت أرضًا، سمعتُ دويَّ صرخةٍ ألجَمني، نظرتُ حولي باحثًا عمن أطلقَ تلكَ الصرخةَ، لكني وجدتُ نفسي وحيدًا.

لم أعبأ بألاعيبِ الغابةِ، واصلتُ تقطيعَ جذعِ الشجرةِ، ومع كل ضربةِ فأسٍ كانت تنطلقُ صرخةٌ، ولما انتهيتُ، جمعتُ الأحطابَ ثمَّ حملتُ قدرَ استطاعتي؛ لأعودَ إلى منزلي، حينها تفاجأتُ بخطواتٍ تتبعني، كنتُ أنظرُ خلفي من حينٍ لآخر، فتلتقطُ أذنايَ صوتَ الخطواتِ وتعجزُ عيناي عن رؤيةِ شيء، ولما وصلتُ إلى المنزلِ، وضعتُ ما أحملُ من حطبٍ، ثمَّ هممتُ بالدخول، وما إن هممتُ بإغلاقِ البابِ، حتى لمحتُ ظلًا تطاولُ قامتُه شجرةً، لكنه سرعانَ ما اختفى.

في الليلةِ التاليةِ، بينما أسيرُ في الغابةِ ليلًا، كانت الخطواتُ تتبعني، لكني تجاهلتُ كل شيء، وصلتُ إلى تلكَ النقطةِ، ثم قطعتُ شجرةً أخرى، فسمعتُ صرخةً مماثلةً، وصرخاتٍ مماثلةٍ أخرى مع كل ضربةِ فأس، ولما حملتُ الحطبَ إلى المنزلِ، شعرتُ بأكثر من خطوةٍ تسيرُ خلفيَ، ولما وضعتُ الحطبُ أمامَ منزلي لأغلقَ البابَ، لمحتُ ظلَّينِ في هذه المرة.

في الليلة الثالثة، تكرر الأمر بتفاصيله، ثمَّ زادَ وقعُ الخطواتِ خلفي أثناء عودتي، وعند إغلاقِ البابِ، لمحتُ ثلاثةَ ظلالٍ يتربصونَ بي.

في الصباحِ، تحدثَ إليَّ حطَّابٌ أقعدته تعليماتُ البلديةِ، وحينما طلبتُ منه أن يرافقني ليلًا إلى تلكَ المنطقةِ قال:

_لا أستطيعُ مرافقتكَ، فهذهِ المنطقةُ مسكونةٌ بالأشباحِ، يقولون إنها تتجسدُ ليلًا في هيئةِ أشجار.

أصابني صمتٌ رهيبٌ، عرفتُ الآنَ لمن كانت الصرخاتُ، ولمن كانت الخطواتُ التي تتبعني، ثمَّ توقفتُ عن التحطيبِ في تلكَ المنطقةِ، باحثًا عن منطقةٍ أخرى آمنة، فلا طاقةَ لي بثلاثةِ ظلالٍ يتربصونَ بي كل ليلةٍ؛ لأحتملَ المزيدَ منهم إن واصلتُ التحطيبَ هناك.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :