د /مسعود فرج الغرشة
يقصد بالغرامة التهديدية في مجال القانون الإداري هي وسيلة قضائية لإجبار الإدارة على احترام الأحكام القضائية الصادرة ضدها لضمان تنفيذها وفقاً لمنطوقها وتحقيق الهدف منها وهو إنصاف المحكوم له من تعنت الإدارة، وتوصف بالتهديدية لكونها تنبه الإدارة بالجزاءات المالية التي سوف تتعرض لها في حالة الامتناع عن تنفيذ الأحكام الإدارية الصادرة ضدها ، إذا هي وسيلة معترف بها للقاضي الإداري لكي تسمح له بإجبار الإدارة على تنفيذ حكم قضائي صادر ضدها.
بمعنى آخر الغرامة التهديدية هي وسيلة يلزم بها القاضي الإدارة دفع مبلغ من المال إلى المحكوم له عن كل يوم أو أسبوع أو شهر تأخير، وذلك إلى أن تقوم الإدارة بالتنفيذ أو تمتنع نهائياً عن التنفيذ، وهنا ندخل في إجراءات أخرى تتخذ حيال هذا الامتناع عن التنفيذ وهي الجزاءات المدنية والجنائية كما سيأتي بيانه في المطلب الثاني من هذا البحث.
ندرك من معنى هذه التعريفات أنها ذات طابع تهديدي يتم بموجبها الضغط على إرادة المحكوم عليه (الإدارة) وإلزامه تنفيذ الحكم الإداري الصادر ضدها، فهي تحذره بشكل مسبق من الجزاءات المالية التي ستفرض عليه حال امتناعه عن التنفيذ، كما أنها تقدر عن كل وحدة أو فترة زمنية معينة، وتتصف بأنها مؤقتة فهي تنتهي إما بوفاء المحكوم عليه بالتزامه اتجاه المحكوم له، أو على عدم التنفيذ مما يدفع القاضي الإداري إلى الحكم بالغرامة.
التساؤل الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هل نص المشرع المصري والليبي على الغرامة التهديدية كجزاء على عدم تنفيذ الأحكام الإدارية في القوانين المنظمة للقضاء الإداري في كلا البلدين أم لا؟ على غرار ما فعل المشرع الفرنسي عندما تدخل وأصدر القانون رقم16لسنة 1980، وأعطي لمجلس الدولة الفرنسي سلطات استثنائية في مواجهة الإدارة ، ومنها سلطة الحكم بغرامة تهديدية على الأشخاص المعنوية العامة أو الأشخاص الخاصة التي تتولى إدارة مرفق عام وذلك لضمان تنفيذ الأحكام الإدارية الصادرة عنه أو عن المحاكم الإدارية، كما تدخل المشرع الفرنسي للمرة الثانية وأصدر القانون رقم 125 في 8 فبراير 1995، ومنح بموجبه مجلس الدولة والمحاكم الإدارية والمحاكم الإدارية الاستئنافية سلطة توجيه أوامر لجهة الإدارة مقترنة بغرامة تهديدية من أجل إجبارها على استصدار القرارات اللازمة لتنفيذ الأحكام الإدارية وقد تدخل المشرع الفرنسي وأحدث تعديلات كبرى على نظام الغرامة التهديدية التي تفرضها المحاكم على جهة الإدارة الممتنعة عن تنفيذ أحكام القضاء و ذلك بموجب القانون رقم 222 لسنة 2019 حيث نصت المادة 911-3 منه على أنه” من العدالة الإدارية للمحكمة أن تأمر في حكمها الملزم للتنفيذ بفرض غرامة يتم فرضها وفق الشروط المبينة بالقانون ، وغيره من التشريعات العربية الأخرى التي مشت على خُطى المشرع الفرنسي كما فعل المشرع الجزائري بموجب القانون رقم 08/09 الصادر بتاريخ 25/02/2008 .
للإجابة على هذا السؤال نقول وللأسف الشديد باستقراء نصوص القوانين المنظمة للقضاء الإداري في مصر وليبيا لم نعثر على نص يشير إلى حق القاضي الإداري فرض غرامة تهديدية على الإدارة كوسيلة ضغط مالي لكفالة تنفيذ أحكامه الإدارية الصادرة ضدها .
انطلاقًا من مضمون هذه الإجابة ندرك أن المشرع المصري والليبي لم ينصا على استخدام الغرامة التهديدية كوسيلة مالية لتنفيذ الأحكام الإدارية الصادرة ضد الإدارة من قبل القاضي الإداري في القوانين المنظمة للقضاء الإداري (قانون مجلس الدولة المصري رقم 47 لسنة 1972-قانون نشأة القضاء الإداري الليبي رقم88 لسنة 1971) على غرار القوانين المنظمة للعلاقات المدنية حيث نصت المادة 213 من القانون المدني المصري رقم 131 لسنة 1948وفي آخر تعديل له في 16يوليو عام 2011 م، على أنه:
(1. إذا كان تنفيذ الالتزام عينا غير ممكن أو غير ملائم إلا إذا قام به المدين به المدين نفسه، جاز للدائن أن يحصل على حكم بإلزام المدين بهذا التنفيذ بدفع غرامة تهديدية كما أن امتنع عن ذلك.
2-وإذا رأى القاضي أن مقدار الغرامة ليس كافياً لإكراه المدين لممتنع عن التنفيذ جاز له يزيد في الغرامة كلما رأى داعياً للزيادة) .
وبنفس الصياغة تقريبا نصت المادة 216 من القانون المدني الليبي لسنة 1954 على أنه:
(1. إذا كان تنفيذ الالتزام عينا غير ممكن أو غير ملائم إلا إذا قام به المدين به المدين نفسه، جاز للدائن أن يحصل على حكم بإلزام المدين بهذا التنفيذ بدفع غرامة تهديدية إن امتنع عن ذلك.
2-وإذا رأى القاضي أن مقدار الغرامة ليس كافياً لإكراه المدين لممتنع عن التنفيذ جاز له يزيد في الغرامة كلما رأى داعياً للزيادة) .
وانطلاقاً من الدور الإيجابي للقاضي في المنازعة الإدارية باعتباره قاضيا إنشائيا يبتدع الحلول التي تتفق وطبيعة روابط القانون العام، وبما أنه اقتبس من القانون المدني في كل من مصر وليبيا بعض الأحكام التي تتفق وطبيعته، فلا ضير أن يقتبس هذه النصوص ويعمل عليها في مجال القانون والقضاء الإداري في ظل التأخر التشريعي في القوانين المنظم لهما، ومن التطبيقات القضائية في القضاء المصري والليبي ما قضت به محكمة القضاء الإداري المصرية في حكمها الصادر بتاريخ 28/4/2013 بقولها “..بما قررته المادة 213 من القانون المدنى … كما أن الدستور قد أفرد الباب الرابع منه لمبدأ سيادة القانون وما يرتبط به من حقوق تتصل بحرية الإنسان وحقوقه الدستورية ، وإذا كان مبدأ خضوع الدولة للقانون ينصرف مدلوله إلى إلزام كافة سلطات الدولة بأوامر الدستور ونواهيه ، فإن احترام ما تفرزه العدالة من أحكام قضائية يأتي على رأس التزامات الدولة وواجباتها نحو المواطنين لما يمثله ذلك من ترسيخ لقيمة احترام القانون واللجوء إلى القضاء كوسيلة للفصل في أي نزاع مهما تباينت مراكز أطرافه ، واستهدافا لقيام الدولة القانونية ومن ثم مشروعية السلطة والتي يدعمها مبدأ استقلال القضاء ، فقد أوجب الدستور المصري تنفيذ أحكام القضاء معتبرا الامتناع عن التنفيذ جريمة جنائية يعاقب عليها طبقا للقانون .
ومن حيث أن قانون مجلس الدولة قد أسبغ على الأحكام الصادرة عن القضاء الإداري قوة الشيء المحكوم فيه وخصها بميزة النفاذ إلا إذا أوقفت نفاذها المحكمة الإدارية العليا – دائرة فحص الطعون – ولا خلاف على أن تميز هذه الأحكام ( بالنفاذ ) لا يرجع إلى ميزة اختصها بها المشرع عن غيرها من الأحكام القضائية وإنما إلى توازن مطلوب بين مبدأ المشروعية وما يتفرع عنه من تحقيق العدل الإداري للمواطنين ومبدأ صدور القرارات الإدارية التنفيذية ولزومها لتسيير المرافق العامة … بناء على ما تقدم يتحقق في جانب الجهة الإدارية ركن الخطأ أحد أركان المسؤولية الموجبة للتعويض بما ارتكبته من مخالفة الدستور والقانون بعدم تنفيذها للأحكام المنوه عنها على النحو السالف بيانه .ومن حيث أنه عن ركن الضرر فقد لحقت بالمدعي أضرار مادية تمثلت فيما تكبده من نفقات إقامة الدعاوى المنوه عنها والتي امتنعت الجهة الإدارية عن تنفيذها، وكذا دعواه الماثلة فضلا عما يتكبده من سداد رسوم التصوير الميكروفيلمي في كافة الدعاوى والمستندات التي يتقدم بها أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية ، كما لحقت به أضرار أدبية تمثلت فيما ألمّ به من شعور بالظلم نتيجة عدم تنفيذ الأحكام الصادرة لصالحة وقد توافرت رابطة السببية بين تلك الأضرار وخطأ الجهة على هذا النحو ، ومن ثم فإن مسؤولية الجهة الإدارية عن قراراتها غير المشروعة بأركانها الثلاثة تكون قد توافرت وهو ما يتعين معه القضاء بإلزام الجهة الإدارية المدعى عليها بأن تؤدي للمدعي تعويضا عما أصابه من أضرار مادية وأدبية ، وهو ما تقدره المحكمة بمبلغ خمسة آلاف جنيه” كما قضت المحكمة العليا الليبية أيضاً في حكمها الصادر بتاريخ 1/2/2006 “بقولها إن مفاد نص المادة 216 من القانون المدني أنه يجوز للدائن أن يحصل على حكم بإلزام المدين بتنفيذ التزامه ودفع غرامة تهديدية إذا امتنع عن ذلك كان تنفيذ الالتزام عيناً غير ممكن أو غير ملائم إلا إذا قام المدين بنفسه…” .
بناء على هذه الأحكام نستتنج أن القاضي الإداري المصري والليبي قد أخذ بالغرامة التهديدية كوسيلة ضغط مالي فعالة نضمن بموجبها تنفيذ الأحكام الإدارية بدون تأخير أو مماطلة من قبل الإدارة على الرغم من عدم النص عليها في القوانين المنظمة لاختصاصهما انطلاقاً من دوره الإيجابي في المنازعة الإدارية.