الغيث عبرة وموعظة لنا

الغيث عبرة وموعظة لنا

أ – محمد إسماعيل

وَهُوً الذَّي يُنَزِّلُ الغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَاقَنَطُوا، وَيَنْشِرُ رَحْمَتَهُ

،وَهُوَ الْوليُّ الحَمِيدُ.. سورة الشورى ..اَية 28.

 من خلال المخطوط الذي كتبته منذ مايزيد على العشر سنين وظل حبيس الأدراج. لظروف الطباعة و التنقيح و المراجعه وجدت ما بين صفحاته.ذكرى لما حدث بالأمس من عودة السيول وجريان الأودية التي أنطلقت عبر مناطق البوانيس الزيغن سمنو تمنهنت وكذلك سبها والتي أفرغت مياهها بمناطق تمسه و زويلة و التي كانت سدا لها بواسطة شريط الرمال الطويل وبعض من المرتفعات الصخرية الذي تمتد من غرب زويلة إلى تمسه .

إن هذه الكمية الكبيرة من المياه الغزيرة  هي التي ستعيد الحياة الطبيعيه إلى تلك الواحات و هي التي ستساهم في زيادة المخزون المائي في باطن الأرض و تساعد المزارعين على توفير الزيادة في تعميق حفر الأبار. نتيجة لهبوط منسوب المياه و قد باتوا يعانون منه لسنين طويله.

 كما  أن عودة الحياة إلى النخل الذي بالحطايا سيكون له المردود المادي على المواطنين من خلال كمية التمور كما يضفي على تلك المناطق معنى أسم الواحات علاوة على البساط الأخضر الذي سيعود بعد عام من الان.

 ذلك البساط يمتد اكثر من30 كم طولا و بعرض 5  كيلومتر من حطية الرسيوه الموازية لبلدة مسقوين غربا إلى حطية العرق مرورا بحطايا القرجومه والجبينين و الضمارين الى لحريشه شرقا هذا البساط الأخضر المكون من غابات النخيل و نبتة العقول و البلبال و الأتل و الرسو سيكون غاية في الجمال أمام الناظرين.

الكتابه عن الأودية و المياه و الحطايا و النخل و العقول و البلبال و الرسو و الأتل و الملاحات التي ستظهر واضحه بعد جريان الأودية كلها كانت صفحة من صفحات سنين الطفوله و مخزونها في الذاكره . والتي ستعود لنراها بأذن الله قبل أقل من عام.

 ففي عام 1953 وعمري وقتها لا يزيد عن الخمسة سنين ربما يكون ذالك بشهر رمضان حيث أن الوقت متأخرا ليلا ببيتنا و بالمكان المعروف (الكاودي) مجلس الضيوف و مجموعة من الرجال يتحدثون وبينهم الفنار الذي ينبعث منه ضوء خافتاً في ذلك الزمن.

 و بينما هم يتحدثون بدا الغيث ينهمر بقوة و بضربات يسمع صداها داخل المجلس.

فجأة دخل أحد الرجال و بدا يقول الوادي ناقل و في حديته مايحمل الفرح و الخوف معا.

 و قبل أن يكمل حديته يقفز الرجال أي وادي فيردالرجل الحامل للخبر، …وادي حفرة السيل… و حفرة السيل قريبة في ذلك الوقت من مدخل القرية الغربي أما اليوم فقد بات مسير الوادي داخل القريه بجانب محطة الوقود القديمة ويمر بالساحه الشعبيه ذالك الوادي يصب في حطية القرجومه ويمر بالمكان المعروف بالقرقف.

وصوله لحطية القرجومة كما لباقي الحطايا ،فيه الخير الكثير حيث يرتفع منسوب المياه،

مما يساهم في التغير الكامل بحال النخل و تتحول المروج التي تقع مابين مايعرف بالعين و السياله، والغابة إلى مروج خضراء تسرّ الناظرين إليها .

أما القرقف و الذي يكون نخيله قارب على الزوال بسبب وجود السبخه فأن المياه القادمه من السّيل تكون سبباً في عودة الحياة إليه فقد كان قديما يخلق كثير من الصراعات حول التعرف على ملكية النخل وكثيرا ماترتفع المظالم و الشكوى على من هوا أحق بملكية النخله منذ ذالك الوقت .

ولأكثر من 60 عاما لم يأتي ذالك الوادي و قبل ذالك التاريخ و في عشرينات القرن.عام 1922م  مر وادي أخر شرقي مقبرة الصحابه وينتهي عند ما كان يعرف ببيوض

وشعبة  أخرى من شعاب الوادي  غربي مقبرة الصحابة مرورا بسواني المنشية وسانية الحاجة..وويتجه عبر مخطط14 إلى المدرسة الثانوية والمستشفى ويتجه بعد ذلك ليصب شرق القرجومة . كلاهما يأتي من ناحية الجبل المسمى بجبل السواني و قد وضعت فتحة لمجرى الوادي تحت الطريق المؤدي إلى تمسه بظاهر زويلة و قد كان لهذا الوادي الأثر الكبير في بث الحياة بحطية القرجومة وحطايا لقصيه و الجبينين و الضمارين كما أنه ساهم في أحياء المنطقه الواقعه بين القريه زويلة و الحطايا المذكورة و ساهم كم أسلفنا بخلق بساط أخضر عمل على صد  رياح القبلي التي تأتي مع أواخر فصل الربيع و أوائل فصل الصيف .بهذا المكان كانت مراتع الإبل والاغنام التي يملكها أهل زويلة وكذلك التي   تأتي لزويلة من مناطق برقة وسرت والهاروج بعد جفاف الماء  في فصل الصيف …ويقال في الشعر الشعبي…مرباعها وادي العقر…ومصيافها في زويلة ..وفي رواية أخرى من احد سكان مراده قال لي لا مصيافها في مراده .ولا أرى فرق بذلك.

ومن خلال تتبعي لأثار زويلة و خلال حفر بئر للمياه في تسعينيات القرن الماضي في عام 1996 تقريبا و أثناء الانتهاء من المرحله التجريبيه للبئر أنسابت المياه حول البئر الواقع بالقرب من المدرسة الثانويه الحديثه و مستوصف القرية الحديث وهناك ظهرت مجموعه من خزانات المياه الصغيره زاد عددها عن 14 عشر خزانا بقطر 4 أمتار و بعمق اكثر من 4  أمتار لكل خزان و المسافه بين كل خزان و أخر بمسافة 90 إلى 100 متر تقريبا و ترجع هذه الخزانات إلى أيام البربر و الرومان حينما كانت زويلة تسمى شيلالا الرومانية و بين كل خزان وأخر أثار لجدران ربما تكون مزارع صغيره او مساكن تسقى من خزان الوادي القادم من مسافة تقع مابين 7 إلى 10 كيلومترات بما يعرف بجبل السواني والآخر الجبل الأوسط والثالث جبل امرير.كلها عبارة عن تلال صخريه صغيره تختزن في قاعها كميات كبيره من المياه التي تستقبلها من الأمطار الساقطه شبه يوميا في ذالك الزمن  قبل الأف السنين.وكان التحكم فيها عن طريق تصريف المياه من الخزانات الكبيرة بمجاري،وتحمل المياه الى الخزانات الصغيرة .نظام ري غاية في الإبداع وفريد من نوعه .ولايوجد بزويلة فقط ولكن في أغلب قرى فزان القديمة . .و اليوم تلك الخزانات صارت محاديه للمزارع الحديثة التي زحفت على المكان في ثمانينات و تسعينات القرن الماضي و ربما هذا مايسمى بالفقارات..

و مع العام 1963 شاهدت السّيل الكبير الذي غطى كل مناطق فزان من الشاطي شمالا إلى غات و أوباري غربا إلى القطرون جنوبا وحتى جبال الهروج . والسودا بالجفره شرقا. إن هذا العام مثل عام 1963م

ذالك العام ونحن في طريقنا للدراسة في سبها كان مرور وادي لودي مابين زويلة و مسقوين و وادي حفرة السوان . أما الوادي الأخر فهوا إلى الشرق من زويلة و على بعد حوالي 30 كيلومتر يأتي من مناطق البوانيس إلى جبل مرير و يصب في حطية الحريشه (أم اللفاع) وكلمة مرير قبيلة بربريه كانت تسكن المكان و بالقرب منها دبدب وهي قبيلة عربيه يرجع امتدادها الى بادية الشام والعراق. وظل وجودها بعد ذلك في المنطقة الواقعة  مابين أشكده و قيره بوادي الشاطي ..

أودية عام 63م جاءت لتحمل أخر السيول القوية التي ظلت بعدها كل مناطق فزان غنيه بالمياه و بوفرة التمور وبها عادت الحياة للنخل و الغطاء النباتي و قد جاءت أمطار بعد عام 63م و لكن ليست بنفس القوة و الغزاره

أما بعد عام 63م أنقطع مجيء السيول و جريان الأودية  والغريب في الامر ان ذالك العام كان بداية تصدير النفط . ليذهب الماء و يحل محله النفط.   ذالك الحال الجديد كان سببا في تغير نمط الحياة في الجوانب الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و برغم وفرة مخزون المياه الجوفية إلا أن أغلب الناس تركوا المزارع و النخل و بدأوا يسيرون وراء الحياة الجديدة  التي صنعها النفط و باتوا يقولون لله في خلقه شوؤن مايرفع شي إلا و يأتي بمثله.

 و اليوم يجب على كل الموطنين و بروح جماعية وبمساعدة الدولة أن أمكن ذلك في أن يسير  الاتجاه  إلى غرس أشجار النخيل بكميات كبيره تصل إلى مئات الألاف بمناطق الحطايا.حيث  إن ذالك سيكون له المردود  الكبير..ولا يحتاج إلى الري المستدام طيلة عقود من الزمن. كما هو حال نخل المزارع الذي هو بحاجة إلى الري السنوي .علاوة على أنه سيعطي الواحه بهائها و جمالها…..

وفي الختام ..نسأل الله سبحانه وتعالى  أن يلم شملنا ويوحد كلمتنا . وان يبعد عنا الحقد والبغض والرياء والنفاق .وان يجعل هذا الغيث عبرة وموعظة لنا .

وبداية جديدة لحياة زاهرة يسودها الحب والوئام .

……………………..    . …….. ……………………….

……………………………………………….    ……    1…سيل عام 1922م نقلا عن الاستاذ حسين اسماعيل امحمد الشريف .

2. .سيل عام 1953م..نقلا عن الحاج محمد ابوغراره عبدالحفيظ المسكيني .

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :