أعيدوا لي ساقي

أعيدوا لي ساقي

  • مفتاح العلواني

في صبانا.. كانت تملأ أرواحنا المغامرة.. تجذبنا الأمور الغريبة.. الغامضة.. المحرمة.. الفاضحة أيضاً.. ولم يكن في الأنحاء ما يشبع فضولنا تجاه ذلك الأمر الذي يشغل بال الأولين والآخرين.. لا صور لا هواتف لا مجلات لا قنوات فضائية تبث لنا ما يفغر أفواهنا.. كنا صغاراً نحمل شهوة الكبار بلا طائل يذكر.

مرةً كنت عائداً للفصل بعد استراحة الفطور المعتادة.. فوجدت الطلبة قد اجتمعوا بعضهم فوق بعضٍ مشكلين دائرةً في دلالةٍ على أنهم يشاهدون شيئاً مهماً.. وعندما اقتربت منهم تبين أن أحدهم قد أحضر صورة امرأة عاريةٍ تماماً.. الألسُن تتدلّى.. الريق ينشف.. الأعين شاخصة كأنّ المرأة تتحرك.. قفزتُ فوقهم في محاولةٍ لرؤية هذه المعجزة.. ابتعلت ريقي أيضاً: “اووووووو وين هالخبر هذا كله”.. قلت ذلك ثم دفعني أحدهم صارخاً: “لحم ابيض يا افتوحة..ما عندناش منه”.. رد الثاني من باب الدفاع عن إنتاجنا الوطني: “عندنا يا راجل أحسن منها لكن مازال مدسوس”.. قال ثالث: “هذي ممثلة اسمها آثار الحكيم”.. ضربته على رأسه وقلت له: “آثار الحكيم في عينك”.. صرخ صاحب الصورة: “خلااااااااص”.. ثم دسّ الصورة بشكل سحري في ملابسه.
رجعنا لبيوتنا ونحن نؤلف القصص عن تلك المرأة.. كلٌّ يخلق في مخيلته ما يستحي منه الكلام.. حيث أن امرأةً عارية يمكنها أن تنحت في ذاكرة صبي كـ لبنة أولى لصناعة رجل يمكنه دفع الغالي والرخيص لأجل الحصول عليها حقيقةً.

انتقلنا للصف الثاني الإعدادي.. ثم الثالث.. ثم الأول الثانوي.. ثم في الصف الثاني الثانوي.. حيث انتقلنا – ربما نفس الطلاب_ إلى مدرسةٍ أخرى.

وفي أحد الأيام كنت خارجاً أنا وصديقي من المدرسة بعد نهاية الدوام.. فوجدنا مجموعة من الطلاب يتحلّقون حول شيءٍ ما.. بعضهم فوق بعضٍ أيضاً.. فاقتربنا منهم ودخلنا في تلك الحلقة بشكل “زئبقي”. وكانت المفاجأة الكبرى.. نفس الصورة تلك لازال نفس الطالب يحتفظ بها.. إنه فعلاً طالب مجتهد في الأمر الخاطئ تماماً.. حتى أن الصورة كوّنت مربعات صغيرة لكثرة طيّها.. قال صديقي ضاحكاً: “نفس الصورة يا افتوحة تقريبا حتى البنت في الصورة شعرها اطول من قبل”.. فضحك الجميع ثم تدلّت الألسن أطول من ذي قبل.. قال أحدهم من جديد بنبرة المتمسكن: “ووووووه هبرة”.. الآخر وبإصرار العمر كله يعاود من جديد: “هذي الممثلة آثار الحكيم”.. تعالت الأصوات.. أحد المتعطشين أطلق آهةً طويلة دلالةً على الشوق.. تنادوا.. صفّروا.. وفي لحظة من الهرج مدّ أحدهم يده وقطع قطعةً من الصورة.. يا إلهي لقد حصل على ساقٍ كاملة.. صرخَ صاحب الصورة :”الصورة يا ضنا الحرام”.. قطع آخر قطعةً منها.. لقد حصل جزء من الكتف.. تكالبت الأيدي على الصورة.. كلٌّ يريد نصيبه.. أحدهم أخذ بطناً.. والثاني يداً بإصبعين.. بينما ركض أحدهم بعيداً وهو يصرخ: “حصلت الصدر يا هوه.. حصلت الصدر”

عمّ صمتٌ بسيط.. صاحب الصورة جلس يندب حظّه.. الذين حصلوا على نصيبهم قصدوا بيوتهم غانمين.. بينما صوت امرأةٍ يدوي في الأرجاء: “أعيدوا لي ساقيّ أيها الأوغاد.. ساقيّ فقط لأهرب من هذه البلاد”.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :