في كتاب (ضحكاتٌ وامضةٌ) للأديبة: لين هاجر الأشعل)

في كتاب (ضحكاتٌ وامضةٌ) للأديبة: لين هاجر الأشعل)

 إيمان فجر السيد

الوميض في اللُّغة العربيَّة:

اسم علمٍ مذكرٌ ومؤنَّثٌ، ومصدرٌ مشتقٌّ من الجَذر اللُّغوي ومضَ، أومضَ البرق، ومضَ لحظيًا، برقَ ولمعَ لمعانًا خفيفًا بظهورٍ متقطِّعٍ، أومضتِ الجميلةُ، تبسَّمت، ولمعتْ ثناياها عن اللُّؤلؤ المنضود بين شفتَيها، وقد تومض الجميلة أيضًا باستراق النَّظر، والوميض يكون أحيانًا بالإيماء بأحد الجوارح كاليد، أوالرأس بقصد توصيل رسالة للمُومَأ له عن طريقِهما، أمَّا الوميض فيزيائيًا فهو انبعاث الضوء من الفوسفور بعد زوال التَّوهج.

**

الأدبُ السَّاخر راسخٌ تاريخيًا واجتماعيًا وفلسفيًا، وأداةٌ تعبيريَّةٌ فكريَّةٌ نافذةُ الغاية واضحةُ الهدف، وليس مجرَّدَ رصَّ كلماتٍ عشوائيِّة لإثارة الضحك؛ فهذا من شأن التهريج لا السخريَّة اللَّاذعة والهادفة التي تسلِّط الضوء على مواضيعَ حيويَّةٍ متباينةٍ؛ لمعالجتها بأسلوب الكوميديا السوداء بقالبٍ ساخرٍ يهدف إلى رسم الابتسامة على وجه المتلقِّي غارزًا خنجره في القلب محوِّلاً الابتسامة إلى سخريةٍ، والحزنَ إلى إبداعٍ بشكلٍ وامضٍ كالبرق ولامعٍ كالسنا.

**

عرَّف علماء النفس السخرية بأنَّها:

سلاحٌ نفسيٌّ، يستخدمه الفرد للدِّفاع عن جبهته الداخليَّة ضد الخواء والجنون المطبق بفكَّيه على هذا العالم؛ بكلامٍ مبطَّنٍ له قوامٌ مفارقٌ لما هو واضحٌ وجليٌّ، وهي سلاحٌ فتَّاك للتَّعبير عن النقائض إيحاءً وتلميحًا وتوريةً عوضًا عن التَّصريح المباشر؛ لتشكيل رأيٍّ مخالفٍ لظاهره من خلال مفردات دالةٍ لمعناها على سبيل الاستهزاء والهَزل والفكاهة والتَّندر، والمواقف المفارقة الضاحكة بعيدًا عن الاسلوب الجادِّ والجافِّ؛ لتجاوز سوداويَّة الواقع المعاش وبؤسه، وتحويله للحظةٍ وامضةٍ بالابتسام عبر قول الشيء ونقيضه؛ فالأدب السَّاخر من أصعب الفنون على الإطلاق لأنَّه يعتمد على التناقض بين مقاصد الكلام والتَّلاعب بمقاييس المعاني تضخيمًا وتقزيمًا جلبًا للابتسامة والضحك للمشهد الكاريكاتوريِّ المرسوم.

**

كتبت لين هاجرالأشعل كتابها القصة القصيرة جدًا(ضحكاتٌ وامضةٌ)ـ الذي يندرج تصنيفًا تحت عنوان الأدب الوجيزـ في ظلِّ جائحة( كوفيد 19 )الذي اجتاحت العالم عام /2020 / وأرختْ بظلالها على تفاصيلنا الحياتيَّة المُعاشة، وفرضتْ تغييراتها الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة، والسياسيَّة وحتى العاطفيَّة.

تقول في نصها( بندٌ مفقودٌ)

غالى في تطبيق البروتوكول الصحيِّ، هجر زوجته في المضجع، كلما خاطبتْه عن بعد مترٍ إلا ربعٍ، هرول إلى الحمام ليغتسلَ، متضاحكًا من تحت كِمامةٍ أحكم تلزيقها: إنَّ ساعة إبعاد الرُّوح عن الجسد، لا تتمتَّع بحقِّ الإسعاف.”

احتشدت في فكرة هذا النص المشهديَّة الساخرة، والكوميديا اللَّاذعة لشروط الحجر الصحيِّ أثناء جائحة كورونا حتى في العلاقات الحميميَّة بين الأزواج اتقاء شرِّ الإصابة بالفيروس اللّعين، وصوَّرت لنا القاصة المشهديَّات عبر كوميديا الكلمات، وكوميديا الحركات والأفكار، فابتسمنا، ثم همستْ في آذننا عبر القفلة الصادمة رسالتها المضمرة والجليَّة في آن معًا، فوجمنا!

مفاد رسالتها: لكل أجلٍ كتابٌ، والقدر لا يُنجي منه حذر

واللي إلو عمرما بتئتلو شدة

**

عالجت القاصة (لين هاجرالأشعل) في نصوصها القصيرة جدًا (ضحكاتٌ وامضةٌ ) غالبية القضايا المجتمعيَّة والسياسيَّة والتربويَّة بأسلوبٍ ساخرٍ ولاذعٍ وبلٍغة رشيقةٍ، وسردٍ إيحائيٍّ ورمزيٍّ مكثفٍ، ساعدها على تصوير المشاهد بشكلٍ كوميديٍّ ساخرٍ للشخصيَّات والأحداث من خلال انزياحاتٍ محبوكةٍ ٍلغويًا بهدف إيصال رسائلَ حيويةٍ هادفةٍ لأفراد المجتمع وصنَّاع القرار على حدٍّ سواء؛ ممَّا عكس حالة الصِّراع الدَّائر فيما بين الفئات المجتمعيَّة البائسة والتركيبة البيئيَّة الاجتماعيَّة والسياسيَّة التي تمثِّلها، تحدَّثت عن الوطن والسياسة في نصوصٍ عديدةٍ، وتناولت فيها قضايا راهنةً بشكلٍ حاذقٍ، وغير مستهلكٍ تفنَّنت بالتَّرميز والتوريَّة والكنايات، والاستعارات، وخفِّة الظلِّ، وسرعةٍ بديهيَّةٍ جمعتْ بين الطرافة، والفكاهة على غرار كتاب (البخلاء) للجاحظ الذي يُعتبر فنًا قائمًا بذاته في السخرية.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :