عبدالرحمن جماعة
القانون هو ميزان الحياة، وهو المنظم للعلاقات بين البشر، والحافظ للحقوق، والمانع من الظلم والعدوان، وبدونه يختل التوازن، وتعم الفوضى، وتنهار المجتمعات!.
ومع كل هذا فهو لا يعدو كونه ضرورة وليس اختياراً، أي أن الإنسان لم يلجأ لسن القوانين رغبة فيها، وإنما اضطر إليها اضطراراً، وإلتجأ إليها جبراً، فلو افترضنا جدلاً عدم وجود السرقة، فإنك لن تجد قانوناً يُجرم السارق، ولن تسمع عن قانون يُحدد عقوبته!.
ولكن ما هو الأصل؟!.
إن القوانين هي قيود، والأصل في الإنسان أن يكون حراً من أي قيد، وإذا كان الإنسان لا يُمكن تجريده من غرائزه، ولا يُمكن الفصل بينه وبين نوازعه، فإنه لا مفر من تأطير هذه الغرائز والنوازع، ووضع قيود عليها حتى لا تنفلت وتطغى!.
ورغم حاجة الإنسان للقوانين، ورغم أنه لا يُمكن تصور حياة بدون قواعد وقوانين تنظم العلاقات والمعاملات بين الناس، إلا أن القانون لا يخلو من إشكالات.
أبرزها إشكالين:
الإشكال الأول: باعتبار أن القانون قيد، فإنه كلما زادت القوانين، وكلما تمددت وتوغلت في تفاصيل حياة الإنسان ازداد التضييق على الحياة ليصبح الإنسان أشبه بالآلة التي تتحرك على سير، وتتحول الحياة إلى مجرد قفصٍ قد يبدو آمناً لكنه غير مريح!.
الإشكال الثاني: أنه مهما شرَّع المشرعون، ومهما حاول القانون أن يتسلل إلى تفاصيل التفاصيل من حياة الناس إلا أنه سيبقى عاجزاً، لأن القانون لا يمكنه أن يسد جميع الفجوات، أو يطال كل القضايا والحيثيات، ولا يُمكنه أن يتسلل إلى كل بيت، ولا يستطيع أن يتسور على النوايا، أو يطلع على خبايا الصدور، كما أن جهل الناس بحقوقهم يجعلها عرضة للانتهاك في غفلة من القانون!.
وبما أن الإفراط في سن القوانين، معضلة إضافة إلى أنه لا يُمكن تحقيقه، وأن التفريط في القانون معضلة أكبر، فما هو الحل.. إذن؟!.
إن المنهج القرآني اعتمد على الموائمة بين الأوامر والنواهي وتشريع العقوبات من جهة، وبين الوعظ الإرشاد من جهة أخرى، فلا تكاد تجد آية من آيات الأحكام إلا وهي مقرونة بالحث على التقوى أو التذكير بجزاء الآخرة!.
إن الأخلاق هي الأصل، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنما جئتُ لأتمم مكارم الأخلاق”، ورغم أن الشريعة الإسلامية سنت العديد من الشرائع التي تُنظم حياة الناس في كل تفاصيلها، إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم حصر رسالته في إتمام مكارم الأخلاق!.
ولكن الأخلاق هي أيضاً قيد يتعارض مع حرية الإنسان!.
نعم هي قيد بلا شك، ومع ذلك فهي لا تتعارض مع مبدأ حرية الإنسان، ولا مع كون الأصل هو الحرية لا التقييد!.
إنه لا يُمكن تصور حياة بدون قيود، وبالعودة إلى تعريف (الحرية) فإن أبرز تعريف لها هو: “الحرية هي اختيار القيد“!.
وبما أنه يستحيل وجود حياة بدون قيود، فإن الإنسان صاحب الخلق الحسن، الذي يتحرك بوازع ذاتي، والذي يمتنع عن الظلم والعدوان برادع من ضميره هو الإنسان الحر لأنه قيوده من صميم اختياره!.
ولأهمية وضرورة وجود القيم والأخلاق إلى جانب القانون فإنه لا يمكننا أن نتصور غياب القيم والأخلاق بين عشية وضحاها، لكننا نشهد كثيراً غياب القانون بسبب نشوء حرب أو إنعدام الدولة!.
وختاماً.. فإن المجتمع المثالي هو الذي يجعل الأخلاق والقانون صنوان يسيران في خطين متوازيين، وهنا لابد من التأكيد على أهمية دور الإعلام والتعليم في نشر الوعي وترسيخ القيم والمُثل العليا، وبناء وتهذيب السلوك الإنساني، أما القانون فهو المتمم لكل ذلك!.