بقلم :: ابوبكر عبد الرحمن
وسط رحاب مضارب الخيام في صحراء البداوة الليبيٌة على مشارف مجاهل أفريقيا الوسطي، ذهب ذلك الرجل من العامٌة مصطحباً ابنه البكر الوحيد في رحلة صيد ما يمكنهم جلبه من حيوانات القفار السارحة في الخلاء، التي تعرف بوفرة الضباء التي يصعب اقتفاء آثارها و قنصها، ويقوتهم لحمها أشهراً في أيام الجذب، وكانت تستغرق تلك الرحلات مسيرة أسابيع وقد تكون أشهراً أو أكثر، ويعتمد وقت الرحلة على وفرة المياه أو ندرتها، وعلى قلق انتظار الزوجة الأم وصبرها. مرت ثلاثة أسابيع عندما لاح الزوج من الأفق في عيني زوجته التي طال انتظارها، ولكن لم يلح ابنها البكر لا في الأفق ولا في عيني أمه، دخل ذلك البدويٌ في ظلال الخيمة ولحقت به الأم مفجوعة تتهمه، أو تسأله عن سبب غياب ابنها البكر، ولكن ما أثار استغراب الأم هو طلب زوجها الغريب ذاك، عندما قال:
– اجلبي قدر الطهي ياامرأة، ازداد قلق الأم أكثر فردت عليه قائلة:
– إنه موجود بقربك، هناك على الموقد، أين هو ابني؟ لماذا لم يأت معك ابني؟ هل أرسلته لمكان ما؟ أهو تأخر في الصيد؟.. لم يجب عليها الأب، ولكن رد عليها الزوج قائلاً بتشدٌد :
– أريد قدراً ياامرأة، ليس ذلك القدر، أريد قدراً لم يطهى عليه شيء ولم يوضع على نار الموقد من قبل أبداً.. استغربت الأم إلحاح زوجها في طلبه، ذهبت وفتشت عن قدر لم يطهى عليه من قبل، فلم تجده، جاءت إليه مرتبكة أكثر من قبل، و أجابت عليه الزوجة، بقلق جاف:
-ليس لدينا سوى هذا القدر، لا يوجد هذا القدر المطلوب، هيٌا أعلمني بمكان ولدي أرجوك، أين هو اﻵن؟ رد الزوج مرة أخرى.
– إذاً، ابحثي عن القدر في خيام الأهل المجاورة، وإذا وجدته اجلبيه لنا هنا،
ذهبت وفي سريرتها قلق الأم والزوجة، تبحث عن ذلك القدر الذي لم يوضع على نار الموقد، ولم يطهى فيه شيئً من قبل، فتشت عنه عند كل جارة ، ولكنها، ولحسن حظها أو سوئه، لم تجده أبداً، رجعت لزوجها وأب ابنها في ظلال الخيمة تخبره بأنها لم تجد القدر الذي طلبه:
-لا يوجد ذلك القدر الذي لم يطهى فيه شيئً، كل قدورنا وقدور أهلنا قد طُهِيَ فيها ومسٌتها نيران المواقد، لا أحد يلبي لك طلبك، والآن، أجبني يازوجي، تخاطبه الأم، أين هو ابني اﻵن؟ أرجوك أخبرني، هل حدث له مكروه؟ أيكون معزوماً عند أحد؟ أين هو اﻵن؟
عندها لم يكن الزوج قد تكلم، ولكنه الأب:
– أجل، أجل أعرف أنه لايوجد، ولن يوجد، قدورنا و قدور كل أولئك الأهل مسٌتها نيران المواقد وقد طُهِيَ فيها، في الأفراح وفي الأحزان، ألم تر بعد كيف يزال صبرهم وعزمهم في أحزانهم، مثلهم نحن أيضاً سوف نصبر على مصابنا.
فاقترب منها يواسيها بلوعة الأب ولوعة الزوج معاً، عندما أيقنت تلك الزوجة والأم، بأن ابنها قد مات.