عبدالرحمن جماعة
في سابقة لم تحدث في أي دولة من دول العالم، وفي آخر نكتة قد تُضحك الشامتين، لكنها حتماً ستبكي أبناء البلد، قام مندوب من المجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الإنسان بحضور افتتاح المرحلة الرابعة لطريق عين زارة وادي الربيع!.
المندوب عرّف عن نفسه بكل ثقة وبكل فخر، فيما رد عليه رئيس الحكومة: “أهلاً بالحريات العامة وحقوق الإنسان”، وكأن رئيس الحكومة يبدي استغرابه من حضور المندوب لهذا الحفل!.
وبالفعل فإن المجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الإنسان الذي تأسس بقرار من البرلمان هو جهة رقابية ليست معنية باحتفالات الحكومة، وإنما هي معنية بكل ما ينتقص من حرية الإنسان وينتهك حقوقه!.
وباعتبار أن المجلس الوطني للحريات وحقوق الإنسان هو جهة رقابية تتبع البرلمان مباشرة فهو أعلى من الحكومة، فكان ينبغي للحكومة أن تخطب وده وتتقرب منه وليس العكس!.
حاولتُ أن أجد مبرراً لحضور المندوب، فقلت لعله يريد أن يكتب تقريراً عن المشروع، لكن للأسف فشلتُ في إيجاد أي مبرر لذلك لأنه ليس من اختصاصه مراقبة المشاريع وسير العمل بها، ففي الدولة جهات رقابية معنية بذلك وهو من صميم اختصاصها وتخصصها مثل ديوان المحاسبة والرقابة الإدارية وهيئة مكافحة الفساد وغيرها، وهي من تُحاسب الحكومة على الأخطاء في تنفيذ المشاريع، وحتى بفرض أنه جاء لهذه المهمة التي اصطنعها لنفسه فإن حضوره كان ينبغي أن يكون في مراحل تنفيذ المشروع وليس في قصِّ الشريط!.
ثم قلت لعله جاء من أجل أن يزعم أن للمجلس يداً في إنجاز المشروع، لكن المشروع وتنفيذه هو من إنجاز الحكومة فقط لا غير، وادعاء ذلك أشبه بالذبابة التي كانت تقف على قرن ثور أثناء حرثه للأرض، وعندما عادت إلى رفيقاتها سئلت: أين كنتِ؟ قالت: كنا نحرث الأرض!.
ثم قلتُ لعله جاء من أجل أن يُشهر ويُظهر المجلس ويُعرِّف الناس به ليلجؤوا إليه في حال انتهاك حرياتهم وانتقاص حقوقهم، وهذا بلا شك هدف مشروع وغاية نبيلة وعمل يُحمد عليه المندوب لولا أنه أظهر المجلس في مرتبة أدنى من الحكومة، ووضعه في صورة من ينتظر رئيس الحكومة ويقف في صف لانتظاره ثم يسير خلفه وكأنه أحد وزرائه أو موظفيه!.
إن المجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الإنسان هو سلطة رقابية ولا يصح لأي سلطة رقابية أن تكون تحت جناح من تراقبه ولا ينبغي لها أن تتملقه أو تخطب وده!.
إن ما أتحدث عنه هو أبجديات العمل الإداري والعمل الحقوقي والعمل السياسي، ويبدو أن المندوب أو من أرسله لم يع هذه الأبجديات!.
إن الجهل بهذه الأبجديات يعني الجهل بحقوق الإنسان وبالحريات العامة للإنسان وبالإنسان نفسه، الأمر الذي يبعث على الاندهاش والصدمة والإحباط… والرغبة في التقيؤ!.
إن المواطن الذي علق آماله بهذا المجلس كجهة (رزينة) قادرة على انتزاع حقوقه وتوفير كرامته وتحقيق حريته وعزته، ليكتشف أن هذا المجلس ما هو إلا حائط مبكى يقف قبالته يهودي يميد وهو يتلو نسخة مزورة من وصايا الرب، يدعو فلا يُستجاب له، ويشكو فلا يُنتصر له، ويبكي فلا تُمسح دموعه!.
والله المستعان.
– صورة إلى كلٍ من:
– البرلمان.
– الإنسان.