نص بينهما لا يلتقيان

نص بينهما لا يلتقيان

محمد بويش الجزء الأول

أن تضرب بقلمك النص

برزخ بينهما لا يلتقيان

مجرم وفنان..

يلتقيان على كتابة نص ويتقمصان الأدوار…

من يكتب من…؟

من يتقمص من؟

هو فعل التناقض في مصب الرهبة والخوف…

هي ذات بوجهين ومرآة عابسة

وليلة تختزن كل الاحتمالات…

*************

صوت آلة راقنة… واختلاط الريح

وعويل ليلة ماطرة…

لا وجود للسكون في ليلة معراج الموت

ونص يولد من نهايته…

يتأبط الظلام فاجعة قادمة

وتزداد دقات ساعة من الممكن أن تكون معلقة على جدار غرفة منعزلة في النص….

تتوقف عقاربها مع شروق صبح جديد….

عود ثقاب ينير بداية العرض

كمن أراد إحراق المكان….

كاتب يتأبط نصه…

رواية في اختطاف الوقت معلقة لنهاية

أراد لها اليوم نهاية بحبره…

معطفه المبلل يشير إلى ولوجه الغرفة من شارع ثائر…

يلتقط مكانا للشمعة على الطاولة الوحيدة في الغرفة

وينزع عنه معطفه لينسحب إلى الكرسي المقابل لطاولة فارغة إلا من روايته وآلة راقنة عتيقة صوت رعد يثير الخوف في المكان….

يخترق غليونه شفاه داكنة أرادها أن تمتص من التبغ ليلته الأخيرة…

 ليلة نص ماطر بالموت كما هطول البرق في الخارج…

 يتصاعد الدخان من غليونه كستارة على نظاراته فيحرك أصابع على الآلة الراقنة إيذانا بوجوده…

يتحرك الصوت فيه متابعا حركات أصابعه على الآلة الراقنة…

 الكاتب:

 وتنكسر على بوابة الرضوخ مشيئة الأجل معلق على جوانب غرفته…

 عبد الله… الرجل المخفي في سترة النص يفتح أزرار موته النهائي ويعانق حبل التجلي في قبوه… فنان سقط في فشل الساعة على الجدار… فنان لا يسمعه صوته أباح لعقله النزوح خارجا من المقاومة…

 عبد الله… عبد الله… فاجعة الموت تزيد في عرجون الميقات على قبره ويستسلم للحبل قبل أن تقرأ عقارب الساعة صبحه …………………..الصراخ…

في هذه الأثناء ودقات الآلة الراقنة تزداد حدة ودخان غليون الكاتب يغلق متاهة المرور لضحكة كادت أن تخرج من فمه… يسمع صوتا قادما من نهاية الغرفة…

 الفنان:

لن أستسلم….. لن أستسلم

 لن أموت بهذه السهولة

 لن أبايع نهاية الرواية بانتحاري…

 لن أقذف بجسدي إلى محراب شهرتك…

 يضاء مكان الفنان رويدا رويدا يتقدم إلى الطاولة…

الفنان:

  لن أموت ورواية تحمل مجازر من الانتهازيين واللصوص والغارقين في وحل القرود….

اعتقلهم في نهاية نصك…

 لست ضحية جريمة يرتكبها حرفك…..

(الكاتب من فجيعة التمرد يقف من كرسيه يطفئ شمعته)

 الكاتب:

 لابد أن تموت….

 نهاية الجري على أوراقي تدفنك كوجع النص الأخير….

 لن تعرف أكثر مني… أنت حقير… مذموم….. وجاهل….. لم تغير ما بنفسك حتى تغير أحوال الناس…. روايتي هكذا تقول…. أنا هكذا أقول….

 الفنان:

روايتك هكذا تقول…..

 أما أنا فالصراخ علمني أن أقول العكس…

الكاتب:

 لا يهم ما تقول أو ما تفكر فيه…

 تهم النهاية التي رسمتها لك…

 فنان لا يقاوم….

 فنان مهزوم…..

 الفنان:

لكن… أنا لن أموت على يدك…

 الكاتب: ضاحكا

 ومن قال انك ستموت على يدي…

 أنت ستعلن فيشلك وتنتحر…

 الفنان:

إن كنت أنت قدري…

فأنا هارب من هذا القدر…

 إلى نص آخر أرسم فيه محبتي ومقاومتي من أجل السلام…

الكاتب: متقدما أكثر إلى وجه الفنان يكاد يرى حبات العرق على وجهه…

 لقد أغلقت كل البوابات خارج الرواية…

سلاسل حول النص ومساحتك مصدرة في التجلي…

 كن أو لا تكون هكذا أصيغ أوامري….

 رسمت ضعفك وبقيت موشوما بسقوط…

 أقتلك إن لم تجاري دم النص في نهايته…

 آخر النص هكذا يمطر بدمك ليكون الختام….

الفنان يبتعد عن المواجهة وجه كاتب يعيده إلى نهاية النص…

الفنان:

غريب أن أسقط في فخك…

 وفي قبو قلمك المسموم…

 اتركني أغادر صفحة النهاية منك….

 الكاتب: صارخا

 قلت تموت…

الفنان:

لن أموت..

الكاتب:

 قلت تموت..

الفنان:

لن أموت..

الكاتب:

 قلت تموت..

الفنان:

لن أموت..

 الكاتب يعود إلى طاولته وكرسيه يعدل من نظراته وجلسته أمام رواية لا تنتهي كما أراد…

الكاتب:

 أنت مذبوح بالصمت هكذا علقت في الرواية جسدك…

 تنتحر حين لا يراك الآخرون….

 لن تخون روايتي…

 لابد أن تطيع جرة القلم الأخيرة ويستوي النص…

كما حلمت به…

 الفنان:

من يطيعك مجنون…

لا ترسمني آلة راقنة وحبل عتيق لأكون دون لسان وصراخ…

 الكاتب:

أنا صاحب القلم… وأنا من اخترت نهايتك….

 صحيح… أنا من أمرتك أن تنافق… أن تكذب…. أن تأكل لحم أخيك وهو حي….

 أنا من رسمت خطوات فصلك دون مطر ودون أزهار…

 لكن في الحقيقة… أنا لا أريد أن تكون هكذا…

 فقط هذه الرواية كنز….

أريد أن أصعد بمعاناتك إلى السماء….

 أعصر النجوم والقمر في كاسي…

 وتفيض الكنوز أمام أقدامي…

وأصبح مشرقا قبل الشمس في تدافع الفصول…

 يخاطبه:

ألا تريدني أن أكون كاتبا مشهورا…

 تتوقف عقارب الوقت عند ساعة نصوصه…

 الفنان:

 لكن… أين ذنبي وأنا عاصرت مشاكل الرواية فيك واتخذت مني ضحية لجنونك…

الكاتب:

 لكنك تمردت في النهاية…

 أحتاج إلى موتك أكثر من حياتك…

 الفنان:

لم أتمرد… لم أك قادرا على الكذب….

 لم أك قادرا على النفاق….

لم أك قادرا على الانتحار…

 الكاتب: يعيد إشعال غليونه ويمتص منه كثبان دخان كثيف…

باستطاعتك أن تنتحر إن قبلت بالواقع…

 ألا ترى عيناك أن الفنان لا يغير…

ألا ترى أن الفنان ضعيف…

 ألا ترى أن الريح أقوى من نافذتك….

 ألا ترى أن لا أحد يسمع لك…

 جمعتك للنهاية عند كأسي هذا…

 فاجعلني أثمل بانتصاري…

 الفنان: صارخا

 في النهاية أنت من يوزع نطاف حبرك على وجه النص…

 لن أباغت كأسك…

 أنسحب من شهوة قتلك لفحولة الحرف…

وأبايع انتصاري…

 الكاتب: يتأبط روايته يقف وغليونه منتصبا أمام عينيه…

يواجه مصير النهاية التي لا بد منها…

 يقتفي تمرد الفنان الذي لم يتوقعه في نصه…

 يخاطبه:

 عبد الله… لن أتأبط روايتي عبثا…

 أنا أجدد أنفاسك الأخيرة فيها…

 لا تنتحر كما أردت لك…

 لابد من نهاية تتبعك حتى تسقط وحدك…

 معلق أنت بين الحروف…

 لا فكاك لك الليلة من عقارب ساعة تتوقف مع نهاية أنفاسك…

 الفنان:

تعبت…. تعبت من نصك…

 روايتك سجن بين الحقيقة والوهم…

 أنا الحقيقة وحبرك الوهم الواقف على رموش التجلي…

الكاتب:

أنت ضعيف…

 الفنان:

وأنت انتهازي….

 الكاتب:

أنت خائف….

 الفنان:

و أنت مجرم…

 الكاتب:

لن تفهم أبدا…

 أنا خلقتك بنصي لتضحي في النهاية….

 ويعرف الجميع حقيقة وجودك…

 وعبث الصوت الذي أعادك إلى خشبة الحياة لتمثل موتك وانتحارك…

الفنان:

 حقيقة وجودي لا معنى لها في رواية تقود الوهم…

 تفرض الوهم…

 تزرع الشك في الصراخ…

 كم ناديت في أعالي نصك…

 لم يسمعني أحد…

 الصدأ عشش بصوتي…

 أصبحت لا أسمع حتى صراخي…

 الكاتب: يضحك

 وتريد أن يسمعك الناس..

 حبال صوتك معلقة بنصي…

 كأجراس لا تدق إلا بموعد الدفن…

 الفنان:

الحقيقة أريدني أبكم…

 أعدني إلى معارج نصك بلا لسان…

بمقدورك قص لساني…

 الكاتب:

أنت فنان…

 لا بد من مرآة تراك….

 وصوت يخرج من ثورتك…

 فقط لا بد من ثورة أقودها بقلمي…

 لا حرية لك إلا ما أرسمه في نصي…

 الفنان:

كل البدايات عندك انتحار…

 فمن أين نبدأ وهذه المتاريس في نصك تغلق العبور…

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :