قراءة حول قصيدة مسافرة للمسافر فيَّ، للشاعرة شريفة السيد

قراءة حول قصيدة مسافرة للمسافر فيَّ، للشاعرة شريفة السيد

الناقد / شوقي عبد الحميد يحيى

ــــــــــــــــــــــــــ

 صورة شعرية شديدة الإيحاء، تمدد الكائن البشري المحدود ليصير مسافات ومسافات تحتمل الارتحال والسفر، وعلى الرغم من كونه داخلها، فهي في سفر إليه. كلمات محدودة لكنها باتساع غير محدود تمنح القارئ فرصة التحليق والسمو على أجنحة الخيال الرحب، وتحرك الوجدان بوجيب مؤلم محبب.

…………

هي ذي أنا البنت التي

 كشفتْ عن الضوء المباغتِ

 في حدائق ذلك النهر الشقي

فتفتـَّق الخجل المراوغ ُ عن صهيلٍ جامح ٍ

مخبوءةٌ فيه النداوةُ لاتصالٍ بالنقاء القاهري

نهران ِمن عسلٍ وديع ٍ  ..

يرسمان الآنَ أوَّل لوحةٍ

في مرسم الولد الذي فرك الهواء بإصبعَيْهِ

وفكَّ أزرار الكلام المخمليْ..

…………

رغم اللوحة الناعمة، فهو مقطع فوّار بالحيوية، أنتجتها المقابلات المولدة للحركة الباعثة للدهشة. فما يبعثه الضوء من إيحاءات ناعسة، يتقابل مع الضوء الشقي فيصنع مقابلة مدهشة، وتتقابل الظلال التي يبعثها الخجل من الانكسار والانزواء مع الصهيل الجامح بما يوحيه من صورة حركية نشيطة مشاغبة، ترسم صورة فوارة متدفقة. وصورة الولد – وكم هو جميل استعمال مفردة الولد هنا، بما يبعثه من ظلال موحية فياضة – الذي فرك الهواء، فرك الفراغ، فرك اللا شيء، وفك أزرار الـ….، وهنا ينتظر القارئ شيئا، إذ يروح ذهن المتلقي لصورة فيفاجأ بنفسه أمام صورة مغايرة، ليجد الولد قد فك أزرار الكلام، انطلق الصمت وحُلت العُقد عن اللسان، وانهدر تيار البوح. يا لها من صور جميلة.

………….

تتلقف القطراتِ في مكرٍ وتودعها أماناتٍ

على طرف النهار فجاء يحبو فوق صدرٍ أنثوىّ

ملأى بشيءٍ هادئٍ

يترقبُ الضوضاءَ من ثقبٍ صغيرٍ

 يُجبر الأشياء أن تأتى إلىّ

لأعيدَ ترتيبَ البديهيات في جسدٍ

 يقول الناسُ عنه سلطوي

………….

الثقة …  أو التواضع الناتج عن الثقة، الأنثى التي تتقبل القطرات، بمكر الأنثى، ورغم أنها تحرك ذلك الصدر المتلقي، إلا أنها تظل هادئة، متأكدة من صيرورة الأشياء إليها طائعة مستسلمة، أمام جسد يجبرها على الخضوع والاستسلام. وعلى الرغم مما أودعه ذلك الابتهال الخاشع على الخد في قبلة أولى، تشعر بها، بل تنعش فيها تلك الأحاسيس التي تغمر الأنثى بالقبلة الأولى،  إلا أنها لا تستسلم:

هي ذي أنا

  بشهادة الرائين لا أحنو، ولا أدنو، ولا وقتٌ لدىّ

لا تستسلم لذلك الخداع – كما تراه – الذي يتحرك بداخلها، فهي ترى أن أحاسيس الأنثى تلك ما هي إلا خداع ووهم، وسعادة غير حقيقية، فهي كذب.

  غير أني رؤيتي الشخصية هنا أنه لتكتمل الصورة، كان لابد من تحديد الموقف، حيث توقف على الرفض فقط، وما الرفض بموقف. فإما أن تعلي القصيدة من جانب آخر، وليكن الجانب العقلي مثلا، وإما أن تعود وتستسلم، لأنها في النهاية إنسانة، ولها أحاسيس ومشاعر، ولن تستطيع منها مهربًا.

استمتعت حقيقة بالقراءة، ومنذ فترة لم أستمتع بقراءة الشعر، ولنا حول ذلك حوار.    .

 القصيدة:

ـــــــــــــــــــــــــــــ

مُسَافِرةٌ لِلْمُسَافِر فيّْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هي ذي أنا البنت التي كشفتْ

عن الضوء المباغتِ

في حدائق ذلك النهر الشقيّْ

فتفتق الخجل المراوغ ُ عن صهيلٍ جامح ٍ

مخبوءةٌ فيه النداوةُ لاتصالٍ بالنقاء القاهريّْ

نهران ِمن عسلٍ وديع..

يرسمان الآنَ أوَّل لوحةٍ

في مرسم الولد الذي فرك الهواء بإصبعَيْهِ

وفكَّ أزرار الكلام المخمليْ..

* * *

تتحمَّمُ الأوقاتُ فوق بريق أيَّامي

كرائعةِ المغنِّى باحترافٍ دافقٍ دام ٍ شجيّْ

تدلّلُ الفوضى على أرجوحتي

وتشبِّكُ الأحلام في فوضى الربيع الداخليّْ

يتسَّربُ الفرح المؤَّجل ُمن جفوني، من ضلوعي، من يَديّْ

أتعجلُ الضَّحكَ الصُراخ َلأنتمي

لعشيرةِ البُلهاء حين تصببوا، وتراقصوا، وتيمَّموا

بحماقة البين الأليم بمشهدٍ (رومانتِكيّْ..)

* * *

هي ذي أنا ال هَرَبتْ إلى أطيارها

تلهو مع الو دق العَصِيّ

تتلقف القطراتِ في مكرٍ وتودعها أماناتٍ

على طرف النهار فجاء يحبو فوق صدرٍ أنثويّْ

ملأى بشيءٍ هادئٍ

يترقبُ الضوضاءَ من ثقبٍ صغيرٍ

يجبر الأشياء أن تأتى إليّْ

لأعيدَ ترتيبَ البديهيات في جسدٍ

يقول الناسُ عنه سلطوِيّْ

* * *

القُبلة الأولى تقاتلني وتوحي..

ثم تهمسُ في ربوع النور… فيّْ

مصباحها ألق تلفتَ

لم يجد إلاَّيَ ضوءًا

يلتقي فيه المسافر بالمقيم على مداخل شاطئَيْ

جرداء كانتْ

وابتسامتها مجرد كبرياءٍ صامتٍ ساج ٍعفيّْ

بوسامةِ النبلاء عادت

بعدما حطَّ ابتهالاته على الخد النديّْ

* * *

هي ذي أنا

بشهادة الرائيين لا أحنو، ولا أدنو، ولا وقتٌ لديّْ

أتحَّينُ الفرص المسافة

وانسحاب الروح لحظة َ خلوتي

ليدلني قلبي عليّْ

وأراقبُ الكذبَ الموقَّرَ تحتَ جِلدي

وهو في صمتٍ يداعب ناظِرَيّْ

ويمر في صبرٍ على مائي

كما يخطو على الماء الولِيْ.

من ديوان ملامح أخرى لامرأة عنيدة.. هيئة الكتاب 2004 للأديبة الشاعرة شريفة السيد

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :