المرأة الليبية …والمشى فى طريق الأشواك

المرأة الليبية …والمشى فى طريق الأشواك

بقلم :: إنتصار بوراوى

ليس من السهل أبدا أن تعمل أى أمرأة في المجال الأعلامى أو في مجال الكتابة بكافة أجناسها أو فى مجال منظمات المجتمع المدنى فى مجتمع مثل مجتمعنا الخشن الصحراوي وحتى في مدينة مثل بنغازى التى تعتبر منارة ثقافية للشرق الليبى لم يكن أبدا من الهين على اى امراة أن تخترق كل المحظورات الاجتماعية ،وتمضى في طريق الأشواك وحيدة دون أن تجد من يسندها أو يدعمها، الا أذا كانت هى ذاتها مؤمنة بالطريق وعلى وعى بالثمن الذى عليها ان تدفعه نظير اختيارها المضى فيه الى النهاية ، فلم تعول يوما على المساندة والدعم من أحد حتى من الرجل الليبى التى علمتها التجارب المريرة معه بأن تركيبته التقليدية متحكمة فيه مهما توشح برداء الحداثة ،لذلك مضت الكثيرات منهن وحيدات واعيات لصعوبة الطريق وعلى ادراك بأنهن لن يجدن الا سكاكين الكلمات المشحوذة للطعن، والألسنة التى تنهش سمعتهن وتصفهن بالعاهرات كما تعج تعليقات الفيس بوك الذكورية تجاه الاعلاميات وناشطات المجتمع المدنى ،وكل جريرتهن و خطيئة الخطايا التى إرتكبنها، أنهن أختارن العالم والطريق الذى وجدن فيه ذواتهن والذى يقدم خدمة لوطنهن وبنات جنسهن اللواتى لاصوت ولاقرار لهن بالتالى طريق المرأة في هذه المجالات أبدا لم يكن يوما على مدى تاريخها مفروشا بالورود ،بل معبد بالتضحيات والإصرار على مواصلة الطريق وأحقاقا للحق ،علينا أن نعترف بأنه خلال أشهر مابعد فبراير عام 2011 فتحت الابواب امام الفتيات للدخول لكل هذه المجالات بيسر وتفهم مجتمعى واندفاع ومحبة فدخلت كثير من الفتيات للعمل في الصحف والقنوات التى انبثقت في تلك الفترة، وانظمت الكثيرات للعمل الجميل في منظمات المجتمع المدنى، وكان ثمة أمل وفرح بجو التغيير والتعبير الحر عن الآراء وأقيمت كثير من الفعاليات الثقافية والاجتماعية فى مدينة بنغازى ، بجموع من النساء ولكن سرعان ما حصلت الانتكاسة بعد مرور عام فقط ، حين بدأت التشكيلات المسلحة في تقييد الحريات وتكميم الأفواه حينما سقطت أقنعة التشكيلات المسلحة ،وأظهرت وجهها الحقيقى الداعم لتوجه انصار الشريعة الرافض للحريات وبدأت موجة الاغتيالات والتهديد بالقتل لنشطاء المجتمع المدنى، والإعلاميين، والإعلاميات مما أدى الى موجة هروب للإعلاميين والإعلاميات وناشطى المجتمع المدنى من مدينة بنغازى ،و ابتعاد الاخرين تماماً عن كل المجالات الى أن دخل الجيش المدينة وحدثت الحرب ضد كل تلك التشكيلات القامعة للحريات و بعد كل تلك التراكمات والأحداث المتسارعة ، جرت ردة إجتماعية من جانب العائلات خوفا على بناتهن، وانحسر وجود الفتيات في الاعلام ومنظمات المجتمع المدنى، ورجع الكثير منهن الى البيوت وتركن الساحة،ولم يتبقى في الساحة الا من لهن تاريخ سابق في هذا المجال والقلة من العاشقات المغرمات بالطريق ،والحقيقة أن الثمن كان غالى وغالى جداً فسكاكين المجتمع جاهزة للنهش، والضرب تحت الأحزمة، والاستنزاف من كافة الجبهات يواجه كل أمرأة تعمل في هذه المجالات أضعاف مضاعفة من اخوانها الرجال والأدهى والأمر ان كثير من الحروب والتشويه ،تكون من بنات جنسها التقليديات اللواتي يرن في اختلافها وخروجها عن القطيع مجال للطعن فيها،بالتالى تجربة النساء في هذه المجالات والنظرة المجتمعية لها، هى مختلفة تماماً عن كل المجالات الأخرى كالطبيبة والمهندسة والمحامية والأستاذة الجامعية ،التى ينظر إليها المجتمع بعين اكثر قبول لأنها مهن علمية صرفة،بعيدة عن جانب الأبداع او التعبير عن الذات ، فمجتمعنا رغم كل تقدمه وتحضره نسبيا عن العقود الماضية ، لازال تقليديا وصحراويا خشنا في نظرته لمن تتعاطى مع هذه المجالات ، وما هذه الهجمات الشرسة من حملات التشويه والتشهير التى تتعرض لها ناشطات المجتمع المدنى ووصفهن بالجاسوسات والعاهرات ومحاولة التحجيم من تحركاتهن وأصدار القرار الصادم بمنع المرأة من السفر بمفردها ، ليس  الا تعبير عن النظرة القاصرة للمرأة وخشونة مجتمعنا وتعقيده.

ورغم كل التاريخ الطويل من النضال في منارة الشرق الليبى (مدينة بنغازى )الا ان الطريق لازال محفوف بالمخاطر بل وبالالغام للنساء ولازالن النساء اللواتي اختارن المضى في مجالات الأبداع او العمل الأعلامى او النشاط المجتمعى المدنى، يتلقين أطواب حجارة مجتمعهن الصحراوي الخشن ، ولكن كل ذلك لم يمنعهن عن مواصلة الطريق مهما كان الثمن لانه لم يعد ثمة مجال للتراجع فلا طريق …إلا الطريق

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :