كتب :: المهدي جاتو
المرئي شيء تشاهده العين ويستقبله الفكر وتقتنع به الذات المليئة بالفضول المتعطشة للسفر في رحلة اللامرئي المتخفي خلف الأستار ، تظل العين بوابة مرور تربط بين الولوج في ذاكرة الفكر والإبحار في المديات الجديدة ، وبين الوصول إلى البر بعد العودة من رحلة الاستكشاف البعيدة ، تتقبل العين من المرئي كل بهي وبهيج ، كبيراً كان أم صغير ، وترفض الرديء القبيح مهما كان مضمونه مقبولاً ، في كل المستويات والفضاءات .. النور مفتاح يستخدمه المرئي لبلوغ الغايات أو النوايا التي تتوالد مع الأيام وتمضي مع مضيها في ركض جنوني يرعب الذات التواقة إلى الاستمتاع بمباهج الحياة ، فإذا تساءلنا عن حدود اللامرئي ، سنجد بأن الأقدار وضعت تلك الحدود في المرئي عمداً بحكم قانون النقيض ، الذي يكمن في النقيض الآخر ، ككائن يكون نفسه بالتوالد في كل الأشياء المحسوسة واللا محسوسة ، كالشحنات التي تسري في التيار الكهربائي عبر الأسلاك عن طريق الموجب والسالب ، لتكون لنا شيء من اللا شيء أسمه الكهرباء ، إذاً نظرية الذكر والأنثى تنطبق على المرئي واللامرئي ، فوجود المرئي يدل على وجود اللا مرئي الذي يندس في الخيالات ، ولا ندري هل هو جزء تكمن فيه الحياة كالشطر الأول أم هو مجرد فرض مفروض من قبل الأقدار ، ولكي نُحّكم الإغلاق أو نتمكن من الإمساك بذاك المتخفي عن الأنظار أو الاستفادة منه أو تحليل مضمونه ومعرفة ماهيته، يجب علينا أن نزيل الحجب التي تحول بين العقل والخيال ، تلك الحجب هي عبارة عن برزخ يفصل بين الواقعي والغير الواقعي و يهمنا في هذه الرحلة ، الشطر الآخر الذي يحوطه الغموض من كل جانب ، ويولد الحيرة في كل حين حتى في غمرة الأفراح التي تبهج الأسارير .. والنفس تواقة دائماً إلى التحرر من وزر تلك القيود التي تثقل كاهلها بالتفكير المستمر الذي يتحول لشك يقلق راحة العقل في وجوده المرئي .
وعن طريق العقل البشري يستطيع الإنسان الانتصار على اللامرئي بكشف أسراره وسبر أغواره ، وهنا نضرب مثال أثبته ذو الاحتياجات الخاصة من مكفوفين وغيرهم استطاعوا خوض التحدي أو التعايش وسط مجتمع مادي محسوس لا يرحم بنظراته الحارقة .. وهكذا بوحي من الوعي اللا مرئي أمكن البعض منهم الظفر بنتيجة الرحلة ومن ثم الفوز على الفاقة التي تراها العين في مضمار المرئي مجرد عجز ، بينما هو يخفي قدرات خارقة في بعض الأحيان ، وهذا يدل على قدرة الإنسان على نيل ما هو مرغوب رغم قسوة الأقدار ، وسطوة وقوة المجهول الذي يتدخل في حياة الإنسان ليضعه في مكان الذي تحدده رغبته .
وفي خلاصة هذه الرحلة ، يمكننا القول بأن في وسع الإنسان الحصول على المرئي الذي هو مفتاح العبور إلى اللامرئي ، والاستفادة منه بالشكل الطبيعي والنيل من اللامرئي المتخفي في عمق الخيالات ، مهما كان بعيداً أو كان صعب المنال كما يبدوا للعيان فقدرة الإنسان كبيرة وعظيمة ، إذا ما أحسن توظيفها في الاتجاه الصحيح الذي يجعله يعيش سعيد على وجه الأرض ، وهذا لا يتأتى إلا بالالتزام بالمنهج السماوي كإكسير للحياة في هذا كون .
مع تحياتي / المهدي جاتو