المغنم الدفين في شؤون العزايز والشيابين

المغنم الدفين في شؤون العزايز والشيابين

  • فريدة الحجاجي

(بعد ما شاب .. خَش للكتّاب) !عبارة ساخرة نسمعها كثيراً عندما يحاول احد كبار السن الخروج عن النطاق الضيق الذي يضعه فيه المجتمع بحدود صارمة عليه عدم تجاوزها ، ترتبط بالمفهوم السائد ان كبير السن لم يعد لديه الا القبوع والخنوع والاكثار من التوبة والاستغفار في انتظار الرحيل لعله يظفر بمرتبة الابرار !ربما لم يسمع الكثير منا بنتائج الاحصائيات التي توصلت اليها المؤسسات العاملة منذ زمن طويل في مراقبة التغيرات الديموغرافية في العالم ، والتي تقول انه في نهاية الثلاثة عقود القادمة سيتضاعف عدد الاشخاص الذين يتجاوز عمرهم الستين عاماً في كل انحاء العالم (باستثناء افريقيا) ليصبح ( ربع ) سكان العالم اعمارهم + 60 .. لأن العزايز والشيابين طالت اعمارهم والكثير منهم يتمتع بصحة جيدة ، وهذا يرجع للتقدم في مجال الرعاية الصحية واكتساب المعرفة الجديدة التي لم يكن فيما مضى بامكان الشخص العادي اكتسابها .. هناك مجتمعات ايها الاعزاء اكتشفت في المسنين “كنز ثمين” بعد ما لاحظت ان هذه الفئة من البشر لا رغبة لديها في النكوص والتقاعد ولا يزال لديها الارادة والتطلّع الى الاستمرار في التمتع بالحياة !في سنة 2000 خرجت الدراسات بمفهوم جديد اسمه (الاقتصاد الفضي أو Silver Economy) نسبة الى لون الشيب في رأس الشخص المسنّ ، هذا الاقتصاد يشمل كل الخدمات والسلع التي تلبي الاحتياجات الاستهلاكية والمعيشية والصحية الخاصة “تحديداً” بكبار السن ، وشمل الاقتصاد الفضي مجالات عديدة ، فنجد على سبيل المثال :

ان هناك ميل متزايد للشركات والمؤسسات في الاستعانة بالمتقاعدين كـ “مستشارين” والاستفادة من خبرتهم ومعارفهم التراكمية ، بدلاً من تعيين موظفين شباب برواتب شهرية وكلفة ضمانية مع انتظار سنوات طويلة ليكتسبوا نفس الخبرة والمعرفة !

المكاتب والشركات العقارية اصبحت تركز على فئة المسنين لان لديهم امكانيات مادية اكثر وحرص متزايد على اقتناء البيوت الجميلة والمريحة لكي يستمتعوا بيها في اواخر حياتهم !

افتتحت نوادي رياضية وترفيهية متخصصة في تقديم خدماتها حصرياً لكبار السن والطلب عليها في ازدياد مستمر !

الهوتيلات اصبحت تحرص على توفير كل الخدمات المناسبة لكبار السن كتغيير مواصفات احواض الاستحمام مثلاً لتكون مناسبة لهم أو بتوفير خدمات العناية والمرافقة على مدار الساعة !

اصبح هناك جامعات خاصة بكبار السن الذين لديهم رغبة لمواصلة الدراسة او البدء في دراسة جامعية جديدة بعدما لُوحظ قدرة الكثيرين منهم على الاستمرار في التعلم واكتساب مهارات جديدة !

شركات التكنولوجيا اصبحت تهتم بابتكار وتصنيع كل ما يلزم لتسهيل حياة كبار السن من معدات التحكم في الاجهزة المنزلية عن بُعد ، الى التطبيقات الرقمية لربط الشخص المسن بخدمات المستشفيات لتلقي التشخيص والعلاج بدون الاضطرار الى التنقل وغير ذلك كثير ..وهذا أدى الى انتعاش كبير في قطاع التكنولوجيا وتوابعها .. والفضل يرجع للعزايز والشيابين !

شركات مستحضرات التجميل العالمية اصبحت تستعين في الدعاية لمنتجاتها بصاحبات البشرة (الناضجة) بدلاً من صاحبات البشرة الغضة الشابة كما كان في الماضي ، ومنها شركة لانكوم الشهيرة وشركة دوڤ المعروفة لمستحضرات العناية الشخصية !

اصبح هناك انتشار كبير لعيادات الطب التجميلي لاصلاح ما أفسده الزمن عند الجنسين والاحصائيات تتكلم على حجم تعاملات تبلغ مليارات الدولارات سنوياً !

على الاونلاين زاد انتشار كورسات تعليم كبار السن طرق الاهتمام بصحتهم وبأناقتهم وتحسين علاقاتهم الاجتماعية وتنمية مواهبهم وهواياتهم التي اضطروا للتخلي عنها خلال فترة شبابهم بسبب انشغالهم بالعمل والاسرة وبتربية الابناء ! في سنة 2050 سيكون عدد الذين تزيد اعمارهم على 65 سنة اكثر من “اثنين مليار “شخص ، ولأول مرة في تاريخ البشرية سيفوق عددهم عدد الاطفال الذين أعمارهم خمسة سنوات وما أقل ، ويتوقع خبراء الاقتصاد ان تتركز سياسات دول كثيرة في الفترة القادمة على فئة كبار السن ليس كـ “عبء” أو كمصدر همّ ونكد وتنقريز وانما كعامل مهم في ازدهار قطاعات عديدة وخلق فرص عمل جديدة وتحسّن ملحوظ في حياة المجتمعات ككل !في الختام .. أحب ان اطمئن فئة العزايز والشيابين -التى انا واحدة منهم- ان منظمة الصحة العالمية في تصنيفها الاخير للاعمار قد مددت مرحلة الشباب الى عمر 65 سنة ، ومَنْ يفوق ذلك الرقم لا يُعتبر مُسن وانما من متوسطي العمر .. لذا اقترح على الجميع الاستعداد للعودة الى “الكتّاب” .. فلايزال لدينا متسع من الوقت

فريـدة #الحياة_تبدأ_بعد_الستين..


شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :