النظافة العامة … آخـر اهتماماتنا، وأولى اهتماماتهم

النظافة العامة … آخـر اهتماماتنا، وأولى اهتماماتهم

  • عاشور صالح عبدالعزيز 

في إحدى المرات كنت أسير في شوارع مدينة جنيف السويسرية بصحبة مجموعة من الزملاء وكان يسير بجانبي زميل موريتاني فقلت له على سبيل مزاح ممزوج بألم وحسرة “هذا لا يصير عندنا ولا عندكم”، فقال “صدقت” مع ضحكة ساخرة يعلوها أسف على واقع مرير يعرف تمام المعرفة أنه حق. كنا ننظر إلى سيارة تنظيف الشوارع تغسل الطريق العام بالماء والصابون (أو ما يشبهه). قبل ذلك بدقائق كنا نتحدث عن مستوى النظافة في شوارع جنيف الذي لا ينتبه إليه من أتي من حيث أتينا أنا وزميلي الموريتاني. لم يكن الأمر ذا أهمية للزملاء الآخرين القادمين من دول مثل الصين وروسيا أوروبا الشرقية والغربية. قلت لزميلي “ألسنا نحن المسلمين أولى بالنظافة؟” الغريب أن نفس الملاحظات والتعليقات تكررت في مدن أخرى في ألمانيا وفرنسا، وكأننا نزلنا من كوكب آخر غير هذا الذي يسير عليه هؤلاء. في كوريا واليابان ينظر المواطن إلى الشارع العام كملكية، يحرص عليه وعلى نظافته مثل ما يحرص على نظافة بيته ولا يمكن أن يتركه أو يسمح بتوسيخه لأن ذلك المواطن يرى أن نظافة الشارع من نظافته. نظافة الشارع أمام بيته أو محله أو مكان عمله جزءً لا يتجزأ عن نظافة بيته ونظافته. لا يمكن أن يقبل العيش في بيئة غير نظيفة. هذه الدول تحترم النظافة ونفسها قبل النظافة والعاملين في مجال النظافة العامة. مثلاً يسمى عامل النظافة في اليابان (مهندس صحي)، يسمى تطلق عليه بعض الدول العربية اسم (زبال)، وتعتبره أقل مرتبة اجتماعية وفي أدنى مراتب السلم الاجتماعي لديها.

أليس نحن المسلمين أولى بالنظافة وأن نكون قدوة العالم في النظافة (نظافة الجسد، والبيت والشارع ومكان العمل ودورات مياه المساجد، والاستراحات في الطريق، والمطاعم والحمامات العامة والمدارس والجامعات، سياراتنا ومستشفياتنا وعياداتنا وطرقاتنا … الخ)؟

لماذا لا نرى إلا القمامة (أكرمكم الله) متكدسة في كل مكان أينما وجهت وأشحت بنظرك يمنة ويسرة؟ لماذا لم نتربى على احترام الشارع العام ما بعد باب البيت؟ لماذا نهتم بنظافة بيوتنا إلى أبعد الحدود، ولا علاقة لنا بما بعدها. لا يكاد شبر في هذه البلاد يخلو من القمامة، نحن نسير على القمامة وبجانب القمامة وشوارعنا كلها قمامة متكدسة على جانبي الطريق وفي وسط الطريق وفي مدارسنا وجامعاتنا. أين تذهب كل الأموال التي تصرفها شركات النظافة؟ أين تذهب كل الأموال التي تسرق في هذه البلاد ليل نهار؟ نحن نسير على قنينات المياه والأكياس البلاستيكية في كل خطوة نخطوها، القمامة تغطي كل طريق نسكله من البيوت إلى العمل والعكس، الصناديق وغيرها من الأوساخ تغطي واجهات محلاتنا، المامة أمام مطاعمنا، المياه السوداء والبرك في الشوارع، الأمطار ولو كانت خفيفة تغمر شوارعنا وتشل كل نواحي حياتنا.

ألم يقل رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم (الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ، أوْ بضْعٌ وسِتُّونَ، شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَدْناها إماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ، والْحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمانِ). فأين نحن من تنظيف شوارعنا وبلادنا وإماطة الأذى منها؟ عن أبي ذر ـرضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال (عُرِضَتْ عَلَيَّ أعْمالُ أُمَّتي حَسَنُها وسَيِّئُها، فَوَجَدْتُ في مَحاسِنِ أعْمالِها الأذَى يُماطُ عَنِ الطَّرِيقِ، ووَجَدْتُ في مَساوِي أعْمالِها النُّخاعَةَ تَكُونُ في المَسْجِدِ، لا تُدْفَنُ).

ألا يسافر مسؤولينا إلى بلاد العالم الأخرى؟ ألم يروا النظافة في كل مكان أينما حلوا وأينما نزلوا؟ لماذا لا يستطيعون تطبيق ما يرونه في العالم لنعيش كبشر محترمين فوق أرضنا مثلنا مثل جميع الناس في العالم؟ ألا نقرأ قول الله سبحانه وتعالى صباح مساء (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِين) (التوبة:108). وأين نحن من قوله تعالى (إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة:222).

بما نتفاخر أمام شعوب الأرض ونحن مضرب في قلة النظافة العامة؟ لماذا لم تستطع البلديات ولا منظمات المجتمع المدني المنتشرة في كل مكان من تنظيف مناطقهم؟ لماذا لا تولي الحكومات النظافة وتضعها موضع الأهمية الذي يجب أن توضع فيه؟ أين كل من يدعون اتباع النبي عليه أفضل الصلاة والسلام والسلف الصالح في كل نواحي حياتهم؟ أين أتباع وأنصار التقشف والسادة المتصوفة وفرقهم الصوفية؟ أليس لهم جميعاً تأثير على الحكومات فيما يخدم مصالحهم؟

 أليس من الأجدر اشغال العامة كل سنة بما ينفع البلاد والعباد وتربيتهم على النظافة العمومية بدل الاستغراق في الجدالات الموسمية التي لا طائل منها إلا جلب المزيد من التباعد والتباغض؟ أين شيوخنا الأفاضل في دار الإفتاء ولجان الفتوى في شرق البلاد؟ أليس من الأولى حث الناس والجهات الحكومية على خلق بيئة تليق بالبشر بدل اشغالهم بما ليس لهم لا ناقة ولا جمل فيه؟

أخيراً أقول… تقدم الشعوب لا يقاس بالادعاءات والعيش على الماضي، بل ما تقدم للبشر وكيف ترفع من مستواهم المعيشي في ذاتهم ومحيطهم. فلننظر ونتفكر بأنفسنا ومكاننا في مدار الحضارة قبل أن نكيل التهم للآخرين بأنهم على درجة أدنى منا لأننا (كما نعتقد)، شعب الله المختار الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.  

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :