الحَنين، صاحب وجهين

الحَنين، صاحب وجهين

تَنّوَه مايشبه ترسب التجارب والمعرفة

سعاد سالم soadsalem.aut@gmail.com 

1 بدا أن الأمر انساب بتلقائية في الشعر الفصيح، ثم حان الوقت لتحوله اتجاهات الموضة في اللغة، إلى سيد ال سوشل ميديا، فالكلمات، والمصطلحات ما أن تشيع سنطفوا فوقها اجميع ، منها المفردة التي تَفرك الذاكرة ولا تُفركُ ، بل تحضر بالتراب وصّديد والخدوش، وحتى الكسور التي لاتُجَبّر، صحبة الكثير جدا من المشاعر، لتصبح الحياة والأحياء مشددوين إليها ؟

أي مشدودون إلى زمنٍ مضى، وهذا تعريفي لمفردة الحنين، ليس في صورة مشاعر مختلطة وغير مفهومة، كما هو الحال لدى فيروز الرحابنة: أنا عندي حنين مابعرف لمين، بل ليتمخطر الحنين العام فوق ممشى اللغة وكأنه ضرورة حياتية، كما هو الحال مؤخرا من عودة لكل ماهو بيّو /عضوي،ولكن بأسعار مضاعفة عن زمن العضوي ذاك،الذي لم يسمى عضوي ساعتها،لكن حنين السيدة فيروز مختلف، لأنه يشبه الشعور بالجوع غير أنه جوع لطعام لانعرف ماهو، وتوضح فيروز دور هذا النوع من الحنين في أيامها : ليلية بيخطفني من بين السهرانين، في حين أن الحنين الذي أقصده أو ال نستولوجيا ،ليس خاصا في الحقيقة ، بل هو شعبي، وشيوعي حرفيا، فالحنين كما لابد أن يلاحظ اي منّا ،قد يمر فوق أراضٍ جرداء ،وبيوت متهالكة، وبؤس، وسيكون حنينا ملتهبا حتى للناس في لهرابيد والحفى أو في المعسكرات التي نسميها دولاً، وفي حين كانت تعبير: مَقدمِك، تعليقا ساخرا على من يتمسك بالماضي سلوكا أو أفكارا أو حتى مفرداتٍ، جمّلت مفردة الحنين الشِيطانة هاذي، كل ما لمسته ،حتى ُعدَّ القديم ، كل قديم وبلا أدنى تمييز ،مدعاة لحسرة الجماهير العريضة، وحتى مبعثا لنواحها! فالكلمات الذكية،أو استخداماتها هى من تركت مرت جيرانا في بن عاشور خلتي سالمة خياطة، مش ديزاينر، وخلتي الحاجة حوّا اللي كانت اتجي لأمي بحوالي لحرير، لنتقّي مايناسبها وبالطلوق، بيّاعة مش بلوقر ولا فري لانسر، وتركت عمي الطباخ الذي لاأعرف أسمه في بدلته العربية السماوية ، بشعر كثيف، وقامة قصيرة ووجه جاد، فيما وقفت اتأمله في جنانّا وأنا صغيّرة ،يحرك مايغلي في قدر كبير، تركَته الذكريات طباخا ولن تتغير مهنته في سيرته الذاتية إلى ماستر.هل تتفهمن و تتفهمون سبب تسميتي لمفردة الحنين ب- شيطانة – وذلك استنادا إلى خلفية هذا التعبير الليبي الذي يصف كل الأطفال المشاغبين والحركيين، وطبعا الأذكياء بالشطانة وال لكلّبْ؟ لأن الكلمات بقدرتها قلب الدنيا فوقي لوطي، زي اصغارنا!

2 قد لايعرف البعض شيئا عن المثل الليبي الذي يقول: بنت السواسة ماتولي للّلا، متعلمة بقولة من باب إل له، وهنا اؤكد لكن ولكم، إنه الحنين ياقوم ، وقد عرّى وجهه التاني، والذي يشدنا إن لم نكن بكامل وعينا، لحياة سابقة رغم بؤسها أحيانا ،وبصورها المختلفة بسبب من أنها عادة، أو أنها ذكرى صادمة، أو حالة محزنة أو رثة، أو مخجلة، ولن يكون أمام اجزاء من المنطقة الرمادية في الدماغ ، َوالمعروف بالقشرة الأمامية سوى تأليف وتلفيق بيئة عواطف، تقلب تلك الظروف من الحضيض إلى شيء يبعث على التأسي، شيء يشبه الملمس المخملي في كلمة حنين، وطعم السكر فيها التي تشدنا لمنطقة مألوفة من السعادة المؤقتة أو المزيفة، تماما كما هو الحال مع مشاعر الرضا والشكلاطة تذوب في الفم، وهى ليست حركة لئيمة من الدماغ ،كما تفعل بعض متاجر بيع الطعام من تغيير تواريخ الصلاحية، أو كما يلجأ البعض لتغطية فساد بعض المكونات بالثوم ولبهارات، بل تشبه حالة طوارئ ،يعلنها الدماغ لتأدية وظيفة محددة، وهو أن يبقى صاحبته أو صاحبه على قيد الحياة، فلو تراكمت الذكريات المزعجة والحزينة والرثة، لما أمكن لحياة البشر أن تستمر.سيفقد الناس صحتهم العقلية اللازمة لحفظ النوع وتلقائيا حفظ الحياة

. 3 في شقتي بمدينة روتردام أشعل شموعا صغيرة برائحة مميزة، وفجأة انتقلت بعدما فاح عطرها إلى غرفتي في الطابق الثاني من البنقلو رقم تختخ(80) لأنه صادف أن العطر الذي فاح في خشمي ، يشبه أو ممائلا للشموع اللي ناست في زمن انتظار الإقامة المؤقتة ،وكأن الريح تحتي والأشواك ، وذلك في غابة هولندية بديعة لو الظرف المربك، على الطرف الآخر من البلاد ،ببيوتها المليئة بمختلف الجنسيات، ذكريات اعتقدت أنني ساتقيأ حينما تعبر، ولكن الحنين الشيطانة، تركت قلبي يرف بحنين فيروز ، وحيرتها، وخفت، خفت من هذا الشعور اللاواعي بأن عطر الشموع الصغيرة في شقتي أنا المقيمة بشكل قانوني ، تركتني في حيص بيص مع أفكاري وظلال تلك الأيام المنكدة، وعرفت لحظتها ، أنني أشهد في نفسي على حالة تزييف في ذكرياتي، ماذا أفعل بالمرّار الذي مازال في حلقي، وكيف اتجاهل آلام كرامتي المعطوبة، وفي تلك اللحظة ،عرفت ماذا يعني أن يخلق الله من كل شيء اتنين، الموضوع ونقيضه أو الموازي له لأنه حين نفهم استراجيات النفس، وكونها متلاعبة، يمكن أن يتفهم كلً منّا، لماذا هذه الانتكاسات الانسانية التي تقود في الغالب إلى حالة من حالات الحنين المتخيل وليس الحقيقي، لما يمكنني تسميته بعالم موازي، له حضور حقيقي في صورة عواطف غير حقيقية وكأنهما خطان تقول الرياضيات أنهما لا ولن يلتقيان.

كما وأنني أفهم الآن ، حنين بعض الليبيين اللذين عاشوا بين مرحلتين ، مرحلة أنهم الشعب العظيم ، ثم الحقراء، وأخيرا مرحلة الميكس بين الجرذان وعيلة واكلين احبوب، لأنني في وقت ما في يوم ما، كنت مندهشة جدا من هذا الحنين لمرحلة من حياتي الجديدة في البلاد الجديدة وذلك قبل أن يصبح لي اسم وبسبور ، انها لحظة تمعن صافية ، ومرعبة في آن، ___ بنقلو= البيوت الصيفية في الغابات

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :