فسانيا :: ابوبكر مصطفى خليفة
تحدثنا في الجزء الأول من هذا التقرير عن التطورات التي بدأ يأخذها الصراع السياسي في ليبيا بعد سيطرة قوات تابعة لمجلس النواب على المواني النفطية وطرد القوات الموالية للمجلس الرئاسي طرابلس بعد تسارع هذه الأحداث ولزيادة تأكيدها على أهمية ما توصلت إليه المؤسسات الحكومية الليبية الموازية من اتفاق، لوّحت الدول الموقعة على البيان المشترك بإمكانية فرض عقوبات على مصدّري النفط بشكل غير شرعي.
فرض عقوبات على كل من يسعى إلى استغلال النفط ليبيا
قائلة “إننا نعاود تأكيد استعدادنا للجوء، بناءً على طلب من حكومة الوفاق الوطني، إلى كافة التدابير التي ينص عليها قرار مجلس الأمن رقم 2146 (2014)، لوقف التصدير غير القانوني للنفط من ليبيا، وفرض عقوبات على كل من يسعى إلى استغلال أو تحويل نفط ليبيا أو ثروتها النفطية”.
وفي الاتجاه نفسه، وفى تدوينة له عبر حسابه الرسمي على “فيسبوك”، قال مارتن كوبلر، رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا “أشارك فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وبريطانيا والولايات المتحدة، الترحيب بالاتفاق، الذي من شأنه تعزيز وحدة الشركة الوطنية للنفط في ليبيا”.
كوبلر اعتبر الاتفاق “خطوة مهمة لبناء الاقتصاد الليبي”، لافتا إلى أن “إيرادات النفط في ليبيا تقلصت من 74.7 مليار دينار ليبي (53.5 مليار دولار) سنة 2012، إلى 12.6 مليار دينار (9 مليارات دولار) سنة 2015”.
الدول العربية النفطية تعتمد اعتماداً على النفط كمصدر وحيد للدخل
أن الحديث عن تدهور إيرادات النفط الليبي وعلاقته بالتنمية المستدامة في ليبيا يقودنا إلي نشر ابرز ما توصلت إليه دراسة اقتصادية نوقشت خلال المدة الماضية بمعهد التخطيط بطرابلس للحصول على الأجازة العالية”الماجستير” في التخطيط المالي المقدمة من الطالبة- كلثوم عاشور محمد الرقيبي.
وعنوانها:
تدهور أسعار النفط وأثره على ميزان المدفوعات دراسة تحليلية على الاقتصاد الوطني خلال الفترة1975-1998م
وتمثلت مشكلة الدراسة في أن انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية كان سبباً رئيسياً في مشكلة العجز في ميزان المدفوعات وانخفاض القوة الشرائية للدينار الليبي.
وتشير الباحثة إلى أن الدول العربية النفطية تعتمد اعتماداً كبيراً على النفط كمصدر وحيد للدخل، وما يترتب عليه من تشويه للهياكل الإنتاجية والأنماط الاستهلاكية بشكل يفوق قدرة اقتصاداتها الإستيعابية، لم له من آثار سلبية على موازين المدفوعات وخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
الإعتماد لازال على النفط كسلعة تصديرية وحيدة
ومن خلال ما تقدم عرضه من دراسة وتحليل لموضوع الدراسة خلال الفترة محل الدراسة إستخلصت الباحثة النتائج التالية:
أحدث النفط تغيرات كثيرة في البنية الإنمائية والاقتصادية العربية، ويبرز ذلك من خلال حجم الانفاق الضخم لتمويل مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
إن المجهودات التنموية التي بذلت من اجل أحداث تغيرات جوهرية في هيكل الصادرات، فالإعتماد لازال على النفط كسلعة تصديرية وحيدة ، وغالباً ما تتعرض عوائد النفط لتقلبات شديدة ومستمرة نتيجة التغيرات المستمرة في الأسعار والكميات المصدرة.
يعاني الاقتصاد الليبي من عدم توازن هيكلين ناتج عن حجم وطبيعة الموارد الاقتصادية المتاحة وأنماط استخدامها. ويتجسد هذا الخلل في عدم القدرة على تنويع القاعدة الإنتاجية، وتبعية كافة القطاعات الاقتصادية لقطاع النفط لتمويل الاستثمارات والواردات السلعية وكذلك مستلزمات التشغيل.
نهج الاقتصاد الوطني أسلوب التخطيط الشامل لتحقيق التنمية الاقتصادية الإجتماعية، وتطلب هذا البرنامج طويل الأجل إلى تخصيص مبالغ مالية ضخمة لمختلف القطاعات، وتزامن البرنامج الإنمائي فترة تضاعف العوائد النفطية، وعند انخفاض تلك العوائد خفضت ميزانية التحول للفترة81 – 1985 ، واتبع بعد ذلك برنامج خطط التحول السنوية للتلائم مع الموارد المتاحة.
أن أهمية النفط النسبية إلى إجمالي الصادرات الوطنية بلغت95% كمتوسط للسلبيات التى شملتها الدراسة، والنسبة القليلة المتبقية هي صادرات مشتقات نفطية وعليه يمكن ملاحظة الآتي:
إن تزايد إجمالي صادرات ليبيا يعزي إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية .
أن تراجع إجمالي الصادرات الوطنية يكون نتيجة انخفاض الأسعار العالمية للنفط.
أن الصادرات النفطية لها التأثير البالغ على الميزان التجاري في تحقيق الفائض والعجز، حيث يعزى الفائض بصفة أساسية لتزايد قيمة صادرات النفط الخام ومشتقاته، وقد ساعدت السياسات التي تم إتباعها للتأثير على الواردات في تحسين وضع الميزان التجاري في فترات انخفاض أسعار النفط.
السياسات التي تم إتباعها في منتصف الثمانينات هي سياسات اقتصادية إنكفائية، تهدف إلى زيادة الكفاءة الانتاجية في قطاعات الاقتصاد المختلفة، وترشيد الاستهلاك وضغط الإنفاق العام، للتأثير في بنود ميزان المدفوعات، وكذلك للرقابة الدقيقة على الصرف الأجنبي.
نتيجة لطبيعة السياسات الاقتصادية التي تم إتباعها خلال سنوات الثمانينات وأوائل التسعينات تولدت توجهات تضخمية، عززها حدوث تغير على هيكل الطلب المحلي والذي يفوق التغير الذي طرأ على الهياكل الانتاجية، مما أدى إلى ارتفاع المستوى العام للأسعار، وانخفاض القوة الشرائية للدينار الليبي، وتدنت كذلك معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي.
ان ظهور سياسة التمويل بالعجز(الدين العام)ن نتيجة لإنكماش الايرادات النفطية تكمن خطورتها لإستخدامها في تمويل الانفاق الجاري وعدم إنفاقه لتمويل المشاريع الإنتاجية، وبالتالي فإن الزيادة في الدين العام يترتب عليه زيادة في عرض النقود، وارتفاع في المستوى العام للأسعار، وما ينتج عنه من تدهور القوة الشرائية للعملة المحلية، والضغط على الموارد لزيادة الطلب على السلع والخدمات نتيجة لعدم نمو الإنتاج بمعدلات تواكب الزيادة في الإنفاق، ويؤدي هذا إلى زيادة الواردات.
العلاقة بين معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي ومعدل النمو في الدين العام هي علاقة طردية وفقاً للنظرية الاقتصادية.
وبإستخدام النموذج القياسي في تحليل العلاقة بين مستوى الناتج المحلي الإجمالي والدين العام وأسعار النفط تبين مدى استجابة الناتج المحلي الإجمالي للتغير الحاصل في الدين العام وأسعار النفط، فإرتفاع أسعار النفط بوحدة واحدة سيؤدي إلى زيادة معدل الناتج المحلي الإجمالي بنسبة22. 0%،) وكذلك زيادة الدين العام المحلي بوحدة واحدة سيؤدي إلى زيادة معدل الناتج المحلي الإجمالي بنسبة19. 0% وهي نسبة ضعيفة جدا(المساهمة الفعلية ضعيفة جداً)، وبالتالي فإن التطابق مع النظرية الاقتصادية مقبول من الناحية الإحصائية في إشارة المعلمة فهى موجبة.
ومن خلال النتائج المتحصل عليها عند دراسة تدهور ميزان المدفوعات على سعر صرف الدينار الليبي يتضح الآتي:
مؤشر سعر الصرف الفعلي الاسمي للدينار الذي تم احتسابه خلال الفترة 96/97/1998م، وباستخدام المتوسط الحسابي تشير النتائج إلى انخفاض فعلي في قيمة الدينار الإسمية مقارنة بسنة الأساس1990م بنسبة 16%،12،18% على التوالي.
ومن خلال تحديد قيمة مؤشر سعر الصرف الفعلي الحقيقي للدينار الليبي يتضح جليا انخفاض القيمة الحقيقية للدينار مقارنة بنسة الأساس 1990م باستخدام المتوسط الحسابي بنسبة34%،31%،28% على التوالي.
وتوصلت الباحثة من خلال دراستها إلى التوصيات التالية:
1- إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني، وذلك يتبني برنامج اقتصادي شامل، وإتخاد جملة من الإجراءات العملية لبناء قاعدة اقتصادية قوية تكون قادرة على المنافسة الخارجية، بهدف تحقيق التوازن الخارجي، وذلك بإتباع الآتي:
تنويع هيكل الاقتصاد الوطني أى زيادة مساهمة الانشطة الاقتصادية غير النفطية في الناتج المحلي الاجمالي ليتمكن الاقتصاد من الاعتماد على مقومات نموه الذاتية، وخلق مصادر جديدة للدخل والانتاج، واحداث نوع من التوازن في الاقتصاد المحلي بإستخدام تنويع الصادرات لتحقيق دخل إضافي من العملة الاجنبية عن طريق خلق مصادر بديلة لقطاع النفط وذلك بالتركيز على الصناعات التحويلية مثل تطوير السياحة والثروة البحرية وحسن إستغلال الموارد الطبيعية.
فالعملة الوطنية لا يمكن ان تعبر عن قوة شرائية في الاسواق الا اذا كانت تدعمها قوة تصديرية ملائمة.
التوجه إلى تمويل المشاريع الانتاجية ذات الجدوى الاقتصادية والتى تتمتع بالمرونة الكافية وتعتمد بصورة أساسية على عناصر الانتاج المحلية، وتتضمن قيمة مضافة محلية ستؤثر على جانب العرض في الاقتصاد المحلي وسيؤدى إلى زيادة الانتاج واستقرار في الاسعار.
ج-إتباع مبدأ الرشد في الانفاق والكفاءة في التشغيل وتوسيع قاعدة الملكلية.
د- زيادة مساهمة العنصر الوطني في النشاط الاقتصادي الانتاجي والخدمي بتشجيع وتحفيز المبادرات الفردية والجماعية لإستخدام مدخراتهم في زيادة الانتاج المحلي.
هـ – تفعيل دور الدولة في حفظ التوازن بين قوي الطلب والعرض وصولاً إلى نظام محقق للتوازن الاجتماعي، بتطبيق سياسة شاملة تضمن تدفق السلع وإنسيابها إلى الاسواق بشكل منتظم بهدف سد العجز في الانتاج المحلي لتجنب ارتفاع الاسعار.
وعند إتباع وإتخاذ الوسائل الاقتصادية يجب الأخذ في الاعتبار النقاط التالية:
هيكل النظام المالي والنقدي وتطوره.
درجة الانفتاح الاقتصادي وما يتميز به القطاع الانتاجي من مرونات.
ج-درجة التناسق والتناغم بين السلطات النقدية والمالية.
2- إعادة النظر الضريبي بشكل يساهم في إرساء مبدأ إستخدام الضريبة كوسيلة واداء لتوزيع الدخل وتحسين اوضاع ذوي الدخل المحدود وتخفيف الاعباء على المستهلكين للسلع والخدمات الضرورية.
3- تفعيل دور الجهاز المصرفي بما يخدم الاهداف الاقتصادية وإحياء دور سعر الفائدة في الاقتصاد الوطني، لتحفيز دور المواطن في العملية الانتاجية بإستخدام مدخراتهم للمساهمة في إنجاز المشاريع التنموية وزيادة الانتاج.
4- ضرورة معالجة ظاهرة الدين العام المحلي وما يسببه من إنعكاسات سلبية على الاقتصاد الوطني، وذلك بقيام الخزانة العامة بالإيفاء بالتزاماتها القائمة، وعدم إقرار أية موازنات بالعجز إلا في حالة إستحداث مشاريع إستثمارية ذات جدوى اقتصادية قادرة على تحقيق عوائد نقدية تساهم في زيادة الناتج المحلي الاجمالي، وإيجاد نوع من التوازن بين الايرادات العامة والمصروفات العامة.
5- ان سعر الصرف يلعب دوراً فعالاً في برامج الاستقرار والتصحيح الهيكلي، وإذا كانت سياسة الصرف جزاءاً متناغماً ومتسقاً مع استراتيجية السياسة الاقتصادية الكلية المتمثلة في الاهداف الاقتصادية والادوات المتاحة والسياسة الاقتصادية المالية والنقدية والتجارية والسعرية.
عليه فالرأى المطروح لتعديل سعر صرف الدينار الليبي يتطلب برنامج اقتصادي متكامل يهدف إلى تصحيح المسار الاقتصادي بشكل عام بواسطة سياسات اقتصادية نقدية ومالية وتجارية ناجعة لها من الصلاحيات ما يوفر لها المرونة الكافية للتعامل مع تطورات الوضع الاقتصادي الوطني، فسياسة تخفيض صرف الدينار الليبي لن تترتب عليها زيادة في الصادرات ذلك لأن معظم الصادرات تتم في شكل صادرات نفطية تتحدد أسعارها وفقاً لمعطيات السوق الدولية، أو انخفاض في الواردات لإعتماد الاقتصاد الوطني بشكل كبير على الاستيراد من الخارج في توفير كافة الاحتياجات السلعية والخدمية ومستلزمات التشغيل، بالإضافة إلى عدم مرونة القطاع الانتاجي.
وبالتالي فإن الاثر السلبي عند اتباع هذه السياسة كأجراء منعزل، ويتمثل في ارتفاع اسعار الواردات ومن ثم حدوث ارتفاع في مستوى الاسعار المحلية وانخفاض مستويات الدخول الحقيقية لذوي الدخل الثابت.