الهجرة الافريقية والوصفة السحرية

الهجرة الافريقية والوصفة السحرية

بقلم :: عابد الفيتوري 

من الملاحظ – بشكل عام – خلال الاونة الخيرة ، تغير التكوين العرقي لمراكب المهاجرين الأفارقة تغيرا كبيرا .. وبحلول نهاية العام الماضي ، هرب الإريتريون من نير الديكتاتورية الأفريقية الأكثر قسوة ، حيث يجب أن يقضي الشباب أكثر من عشر سنوات في الخدمة العسكرية .. هذا العام 2017 .. صارت افواج الارتريون اقل مما هو معهود .. ويبدو ان السبب الرئيسي على الأرجح يعزى للتعاون الأوروبي مع الدكتاتورية الافريقية الحاكمة التي نصبت نفسها حارسا على الطريق إلى ليبيا .. فقد اقدمت السودان ومصر على زيادة حرس الحدود .
الآن ، أكبر مجموعة من المهاجرين عبر البحر الأبيض المتوسط تأتي من نيجيريا ، بالمقارنة مع البلدان المستقرة نوعا ما ، مثل غينيا ، السنغال ، كوت ديفوار ، غامبيا .. ويبدو ان الأوروبيين لديهم القليل من الوعي الكافي بواقع المهاجرين ، فيما يتم تنظيم جزء كبير من افواج الهجرة برعاية المافيا النيجيرية الشهيرة .. وهناك أمثلة كثيرة على الحالات التي تقدم فيها الفتيات الفقيرات غير المدربات عبر رحلات مقصدها اوروبا ، حيث يتولى الوسطاء تأمينها بصورة شاملة ، بما في ذلك العمل المضمون مثل تصفيف الشعر .. اذ تمر الفتيات بطقوس تتطلب منهن الولاء التام لمنظمي الرحلة .. وعندما يصلون إلى البر الرئيسي الأوروبي ، يلتزمن اضطرارا بسداد ديون الرحلة مضاعفة ، عن طريق العمل في البغاء وخدمة المافيا .. وبالمثل هناك العديد من الرجال ، بل والأطفال – وتلك حقيقة قاسية – الذين تؤمن لهم المافيا تكاليف الرحلة المدفوعة مسبقا ، لاستغلالهم في سوق بيع المخدرات بالمدن الأوروبية .
الآباء في نيجيريا لا يعرفون ذلك في العادة ، وفي احيان لا يودون الاعتراف بسبب العار الذي قد يلاحقهم ، أو الخوف من المافيا .
أوروبا الآن تمر بلحظة تاريخية حرجة .. ففي أفريقيا الفقر والاستبداد ، عدد السكان بلغ 1.2 مليار نسمة ، ووفقا للتوقعات الديموغرافية سوف يزداد العدد عام 2050 اضعاف ، وعلى سبيل المثال ، سوف يكون عدد سكان نيجيريا أكثر من الولايات المتحدة .. كما ان التغير المناخي في المنطقة الواقعة جنوب الصحراء سيجعل الحياة صعبة بالنسبة للمزارعين ، وستكون المشكلة الرئيسية ، اين يجد السكان الجدد فرص العمل التي تضمن لهم العيش الكريم .. وبالإضافة إلى ذلك ، فإن الشباب يدركون بشكل أفضل التفاوت الهائل في فرص الحياة بين أفريقيا وأوروبا ، ولن يترددوا في محاولة الهجرة وتجربة حظهم.
على شبكة الإنترنت ، مقالات مثيرة للانزعاج حول ملايين الأفارقة الذين يبعون بالاراضي الليبية وينتظرون فرصة العبور ، فيما جميع برامج السياسيين الاوروبين لكبح خيار المهاجرين اضحت غير مجدية ، ومن المتوقع ان ترى اوروبا اسرابا من المهاجرين على غرار اسراب السوريين عام 2015 ، مع تصاعد الازمات التي تنهش الاقتصاديات الافريقية ، وبطش الاستبداد السياسي المستأثر بالثروات ، وعندها سيكون قد فات الأوان .
الخيار الاوروبي المتوفر الان ، ينتهج اسلوب نشر القوات البحرية لإرغام القوارب المهاجرة العودة الى الشواطئ الليبية ، وهو ما يعد مخالفا لكل الاتفاقيات الدولية والمعايير الانسانية ، وحتى هذه الخطوة المستهجنة دوليا وإنسانيا ، لن تقف حجر عثرة امام حلم الافارقة الفارين من هول الواقع المر في بلدانهم ، وربما لم يعد لأوروبا الوقت الكافي لصد حالة من النزوح الجماعي تزداد يوما بعد يوم .
اوروبا تدرك ان الحل الامني لن يكون مجديا على المدى القريب والبعيد ، وانه بالطبع أصعب تحد لها ، وأن الحل الامثل والحاسم يكمن في ضمان احلال الاستقرار السياسي والاقتصادي بدول المصدر ، يضمن توفر فرص العمل ، وتحقيق الازدهار المعيشي ، وان الحلول سواء منها القصيرة او متوسطة الأجل ، تتطلب تغييرات موسعة في سياسات دول اوروبا ، وفي علاقاتها مع دول المصدر جنوب الصحراء ، وكذا دول العبور .
البرلمان الإيطالي وافق على ارسال سفن مراقبة نحو الشواطئ الليبية لمساندة زوارق خفر السواحل الليبية على اعتراض المهاجرين قبل الابحار من المياه الإقليمية الليبية ، وإعادتهم الى البر الليبي .. لكن الخطوة قوبلت باستهجان من قبل الشارع الليبي ، وشهدت بعض المدن الليبية تظاهرات تشجب الخطوة ، وشوهد العلم الايطالي يداس بعجلات السيارات وأقدام المتظاهرين ، منددين بالاتفاقيات التي وقعها رئيس الحكومة الليبية ، واعتبارها مهينة ووجه اخر لعودة هيمنة المستعمر القديم .
الجنرال خليفة حفتر الذي لا يعترف بالحكومة الرسمية في طرابلس ، ويسيطر على شرق ليبيا ، هدد بتفجير السفن الإيطالية فيما ان اقتربت من الشواطئ الليبية . منتقدا تعاون خفر السواحل المتهم بارتباطه بعلاقات مشبوهة مع المهربين ، وأيضا بالمعاملة القاسية للمهاجرين .. لكن الملاحظ هو انخفاض عدد المهاجرين الواصلين إلى إيطاليا بصورة كبيرة مقارنة بالعام السابق ، وبمقدار النصف .

إن الوضع في ليبيا مقلق للغاية ، ذلك ان سلطة الحكومة الرسمية لا يتجاوز حدود العاصمة .. على الرغم من أن لها – إلى حد ما – تأثير على خفر السواحل ، إلا أنها لا تملك سوى القليل جدا من السيطرة امام تعدد الجماعات المسلحة .. ومع ذلك ، جزء هام من الحل يبقى بيد أوروبا .. وفكرة اقامة مجمعات لإيواء المهاجرين بالجنوب الليبي بهدف فرز من لهم احقية اللجوء الى اوروبا ، باتت اشبه بدر الرماد في العيون ، اذ انه – ووفقا لبيانات اوروبية رسمية – تبين ان نحو 40 في المائة فقط من المهاجرين المقيمين بأوروبا الان ، والذين رفضت طلبات لجوئهم ، لم يغادروا أوروبا . وفي حالة البلدان الأفريقية ، فإن هذه النسبة أقل من ذلك .. ولا تزال الغالبية العظمى من المهاجرين من نيجيريا والسنغال وغامبيا وكوت ديفوار وبلدان أخرى متواجدين في إيطاليا ، على الرغم من انهم ليسوا عرضة للاضطهاد أو خطر الحرب في بلدانهم .. ويبدو ان العقبة التي تحول دون عودتهم ، هي عادة تتعلق بعدم وجود وثائق تثبت جنسيتهم .. وبدون ذلك ، ترفض دولهم قبول عودتهم . كما انه ليس بالإمكان حصولهم على وثائق سفر جديدة من غير سفارات بلدانهم الاصلية ، وان في بعض الأحيان ، ترضخ بعض الدول تحت جنح نداءات أخلاقية ، فيما رشوة المسؤولين ، وراء ذلك .
في العام الماضي ، بدأ الاتحاد الأوروبي التفاوض بشأن معالجة هذه المسألة .. وقد استجاب البلد الأصلي للمهاجرين ، نيجيريا ، في البداية . وفى المحادثات الاولى وافق على تسلم المواطنين النيجيريين المرحلين والمزودين بوثائق صادرة عن مكتب اوروبى مختص .. وفيما بعد ، توقفت المفاوضات .. وغاب الوفد النيجيري عن الاجتماع اللاحق المزمع عقده في بروكسل. ومن ثم ، خطط المفاوضون الأوروبيون لعقد الاجتماع في نيجيريا ، لكن المضيفين النيجيريين ألغوا الاجتماع في اللحظة الأخيرة .
نيجيريا لديها أكثر من مليوني نازح فروا من قراهم بسبب الحرب مع بوكو حرام شمال شرق البلاد .. ومعدل المهاجرين منهم الى اوروبا بلغ حوالي 40 الف العام الماضي ، و 20 الف هذا العام ، ويبدو أن السلطات والسياسيين الاوروبيين لم يوافقوا على ما يريد الساسة النيجيريين من أوروبا مقابل استعدادهم لقبول العائدين .. لذا توقفت المفاوضات .. ومع انه ليس هناك طلب واضح على الطاولة من الجانب النيجيري .. لكن بالتأكيد ، هناك أموال ضخمة تضخ ، وميزانيات يرسلها المهاجرون الى اسرهم وأقاربهم تنعش الاقتصاد المحلي . لهذا ، فإن أي تماهي مع الاوربيين من قبل حكومات غرب أفريقيا ، سوف يجلب حرجا للساسة ، وانتقادات عامة وحادة قد تصحبها تظاهرات تهدد الاستقرار السياسي .. ويبدو أن المفاوضات المتقطعة ، ولا سيما مع نيجيريا ، تعكس حقيقة صارخة ، ومعضل من العسير تفكيك مفاصله . ومع ذلك ، لا يزال البحث الأوروبي عن وصفة سحرية جاريا ، في غياب خطط تستأصل الجذور .

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :