الوطن ما بين الهوية والبناء والنقاشات العقيمة

الوطن ما بين الهوية والبناء والنقاشات العقيمة

بقلم :: عمر الطاهر 

لا يمكن أن يذكر اسم ليبيا دون ان يتبادر إلى الذهن من هم سكانها ، وليس بالإمكان تجاهل مجتمع التوارق عند ذكر السكان ، و بالرغم من وجود مجتمعات للتوارق خارج ليبيا ، و ارتبط اسم التوارق عامة بليبيا نتيجة لأصل تسميتهم بالتوارق والتي جاءت نسبة إلى تارجا ، ( بنطق حرف الجيم كما في اللهجة المصرية ) ، وتارجا هي اوباري الحالية ، وحتى اليوم يعرف التوارق مدينة ( اوباري ) باسم تارجا ، وخاصة الذين يستوطنون خارجها ، ففي غات لازالت بعض المحاصيل الزراعية المتميزة بجودتها تعرف بأنها من تارجا ( كالقصب، والطماطم وغيرها) واذا كان التوارق الذين يعرفون انفسهم ب ( ايموهاغ ) فأنهم اشتهروا في العالم بإسم التوارق ، وهي اصلا ( توارج ) اي من تارجا وكلمة تارجا بلغة التوارق تعني ساقية او نهير ( تصغير للنهر ) ففي الماضي كان وادي تارجا عبارة عن مجرى مائي مابين ( ايدهان ن اوباري ) وتعني رمال اوباري شمالا وسلسلة جبال مساك جنوبا من وادي الإجال كماه سماه العرب ، عند مجيئهم الى شمال افريقيا ، وسمي بذلك لأن الإجل هو البقر الوحشي وجمعه الإجال ، وكانت تلك الحيوانات موجودة حتى سبعينيات القرن الماضي ، والتوارق الليبيين لازالوا يقطنون تارجا نفسها وضواحيها من غدامس شمالا الى غات جنوبا ، ولازالت اثارهم المنقوشة على جبال مساك الممتدة من تارجا الى شرق العوينات وجنوبها وكذلك جبال اكاكوس المشهورة برسومات ماقبل التاريخ ، والتي تمثل حضارة التوارق التي تصاحبها حروف التيفيناغ ، والتي تعني (تيفير ننغ ) أي ( كلماتنا ) فهوية ايموهاغ لها ارتباط وثيق بالزمان والمكان ، فالزمان كما اسلفت هو تاريخ حضارتهم المنقوش في ارجائها ، والمكان هو الكثير من المدن الليبية الدالة اسمائها على الاصل التارقي مثل ( غديمس واوال ، وسناون ، تامظاوى ، وتاروت ، وبرقن ، وتمنهنت ، وزيغن ، وتزرهي ) وغيرها الكثير والتي لايتسع المجال لحصرها ،و لسنا في صدد اثبات المثبت ، او تأصيل المؤصل ، وانما توضيح المرتبط واوجه الربط في العلاقة مابين الانسان والوطن ،و نحن كمجتمع الطوارق لا يجب ان يشغلنا ذلك عن توجيه البعض منا ، ممن حاد منهم عن الغاية الاساسية ، وهي بناء الوطن والضرورة الملحة هي ايهما اولى بالاهتمام ،  الوطن ام الهوية ،اما الهوية في اعتقادي ، لن ينازعك احد هويتك ، و اما الوطن فهو المطمع و المقصد ، فما عسانا ان نقدمه للوطن ففي غمرة الاحداث التي يتنازع فيها الآخرين فيما بينهم هذا الوطن ، تحت مسميات وتوجهات مختلفة التسميات ، ويتقاسمون اراضيه وثرواته ،بالفدرالية تارة وبالجهوية تارة اخرى وبالمناطقية والقبلية ، ويتقاتلون بسبب او بدونه ، يجب علينا ان نقدم المثال الارقى ان كنا اصحاب حضارة ضاربة جذورها في القدم ، يجب ان يكون حب الوطن هو الأولوية  القصوى ، وهو الهدف الذي يجمعنا ، بعيدا عن المهاترات التي لاطائل من ورائها ، اللهم الا ان كانت وكما يقال اجندات خارجية لتمزيق اوصال هذا النسيج الاجتماعي الموحد اذا ليست المواطنة و الهوية هي شغلنا الشاغل ، فهي واقع مثبت ، وليس الجدل عن البديهيات ايهما اولا الوطن ام المواطن ، ولكنها بكل وضوح ماذا نستطيع ان نقدم لهذا الوطن الذي جميعا شركاء فيه ، دون اقصاء أو تهميش ، ودون احتواء ولا إلغاء ، بجميع مكوناتنا فضلا عن داخل المكون الواحد يجب علينا تثقيف المجتمع من خلال مؤسسات المجتمع المدني ، كل في مجاله ،  باهمية الدور الذي يقوم به للنهوض بهذا الوطن ، وما عليه ان يفعله ، من ابجديات المحافظة على تلك الهوية كزخم لعملية بناء النسيج الاجتماعي واعادة لملمة الجروح ، ونشر ثقافة التسامح ، الى ترسيخ مبدأ المواطنة كعمل من اجل تقدم وازدهار الوطن .وحيث تكون البداية من الاسرة الى المجتمع دون المرور على ثقافة القبيلة والجهوية ، الى رأب صدع المجتمع بتكوين مؤسسات للجميع ، ذات طابع مدني يستوعب الجميع بدعوة الجميع للإنخراط فيها وإذابة الفواصل الاجتماعية ذات الطبيعة التي تتنافى مع روابط الدم والصلات العائلية ،التواصل مع المناطق المجاورة والبعيدة في كامل ارجاء الوطن ودعوتها والاستفادة من تجاربها وخاصة تلك التي نجت وبرهنت على نجاحها بنجاحاتها التي حققت من خلالها اهدافها وتطلعاتها الامتداد افقيا في كل تراب الوطن وفتح فروع التواصل مع المجتمع الليبي بأكمله وايجاد نقاط الالتقاء والعمل المشترك توحيد تلك المؤسسات ذات الهدف المشترك والاجسام والممثلة للمجتمع مثل ( مجلس شيوخ التوارق ، مجلس شورى التوارق ، وعدم الانجرار وراء تعنت الشخصيات الساعية للمناصب ، والمؤصلة لفكرة التعصب سواء للقبيلة أو الهويات المختلقة المستحدثة .

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :