بقلم :: عمر علي بوسعدة
تعريفات كثيرة تصنف الحركات المسلحة الأجنبية المستوطنة في الجنوب الليبي من دول الطوق الإقليمي الإفريقي من حيث الموطن والهوية تحمل مسميات كثيرة ( حركة تحرير السودان-حركة العدل والمساواة السودانية – المجلس العسكري لإنقاذ الجمهورية تشاد – جبهة الوفاق من أجل التغيير في تشاد- القوات الثورية المسلحة من أجل الصحراء FARS– والحركة من أجل الديمقراطية والعدالة تشاد ) وتصنف هذه الحركات في موطنها خارجة عن القانون متمردة تمارس السلب والنهب وتحارب الأنظمة القائمة من أجل السلطة. وتعرف نفسها كحركات تحرير سياسي واجتماعي وتصنف في كثير من الأبحاث والدراسات على أنها حركات مطلبية تقاتل من أجل السلطة والمال لما تحمله من بصمة قبلية واضحة وتعيش تحت رعاية استخباراتية مستفيدة منها في الظلام. إن أقرب تعريف لهذه الحركات صدر من المبعوث الأممي لليبيا غسان سلامة أمام مجلس الأمن في العام 2018م، حيث قال إنها حركات تعمل كمرتزقة تتاجر بالحروب وتؤجج الصراع وتطيل من عمره وتستخدم في ليبيا لتحقيق نجاحات عسكرية لصالح مشاريع سياسية تخص أطراف النزاع مقابل المال والسلاح. وشاركت هذه الحركات في جميع الصراعات المسلحة في الجنوب الليبي تحت غطاء راية الحرب القبلية وبخدعة من ( المجلس الأعلى لقبائل الجنوب ) غير المعترف به وذلك لتضليله وخداعه للرأي العام وصانعي القرار بأنه يقف على مسافة واحدة من الجميع، لكنه كان يعطي بذلك غطاء شرعي للحركات الأجنبية المسلحة ( الجبهة الشعبية لتحرير ليبيا ) المناهضة لثورة فبراير لتحقيق مشروعها الهادف إلى إسقاط النظام الشرعي القائم في ليبيا بقوة السلاح مما أسهم في فشل عملية فرض القانون المعلنة من القيادة العامة والقوة المزمع تكليفها من المجلس الرئاسي وسط دهشة واستغراب الشارع الجنوبي.
إن حقيقة الصراعات المسلحة في ليبيا هي في الأساس حرب لها أجندة سياسية مناهضة لثورة فبراير وأيضا حرب نفوذ وفرض أمر واقع تمثلت في الهجوم على قاعدة تمنهنت العسكرية وتصفية آمر غرفة عمليات الحاكم العسكري بالجنوب العقيد العوامي، فترة الحاكم العسكري للجنوب اللواء عطاء الله البرعصي المكلف من المؤتمر الوطني العام في أواخر العام 2013م والاعتداء على الحاكم العسكري بالجنوب العقيد / محمد البوسيفي بمنطقة تراغن في العام 2014م ومهاجمة المدن الجنوبية ( الكفرة- أوباري- مرزق- تراغن- زويلة ) وكذلك مهاجمة اللواء السادس ومقراته العسكرية والهجوم الأخير في عام 2018 والذي امتد حتى الهلال النفطي شرقاً. وعند تحليل أسباب وجود كل هذه الحركات الأجنبية المسلحة بالجنوب يمكن أن نتوصل إلى نتيجة أهمها ( سياسية ) فهذه الحركات جلبت إلى ليبيا عن طريق النظام السابق في العام 2011م لمواجهة ثورة ( 17 فبراير ) مقابل المال والسلاح وللعلاقة الوثيقة بينها وسياسة ومنهج النظام الداعم لغالب الحركات المسلحة في العالم ولأسباب جغرافية وروابط قبلية وثقافية شكلت حاضنة مريحة لهذه الحركات بالجنوب. وإذا سلطنا مزيدا من الضوء على آثار استيطان هذه الحركات المسلحة الأجنبية بالجنوب نجد أنها تركت آثارا بالغة الخطورة على النسيج الاجتماعي في المنطقة نتيجة لإحداثها تغييرا ديموغرافيا متناميا ومتسارعا ولفرضها قانون الغابة بالحرابة والسلب والنهب والخطف وتحصيل أتاوات ورسوم مالية على حركة التجارة بين المدن والقرى الجنوبية في ظل غياب تام لمظاهر وجود الدولة وسط ظاهرة نزوح المواطنين والهجرة من المنطقة بسبب الخوف على الأرواح والممتلكات.
وتنشط هذه الحركات في الجريمة المنظمة العابرة للحدود كتجارة البشر والهجرة غير الشرعية ونهب الثروات المعدنية وتجارة المخدرات وتجارة الأعضاء البشرية بالشراكة مع عصابات الجريمة المنظمة في العالم، مخلفة بذلك آثارا أمنية وإنسانية بالغة الخطورة على الدولة والمحيط الإقليمي والدولي، وهناك آلاف القضايا الموثقة بمراكز الشرطة كاختطاف المهندسين الأتراك القادمين لتشغيل محطة كهرباء أوباري الغازية وخطف مديري المصارف ومدير مصرف الجمهورية غدوه الذي تم خطفه وقتله لعدم استطاعة أسرته دفع الفدية، وكذلك تصفية أكاديميين وأساتذة جامعيين كأستاذ جامعة الأسمرية سبها، وكبار الموظفين كمدير السجل المدني مرزق الذي تم تصفيته وإلقاؤه بالطريق العام، وخطف سائقي شاحنات الوقود والتموين القادمين من الشرق والغرب وإخراجهم خارج الدولة الليبية وطلب الفدية من ذويهم وقتل بعضهم. إن ما يحدث في الجنوب من استباحة واحتلال من قبل حركات وجماعات مسلحة أجنبية خارجة عن القانون ليس لديها أي مبدأ أو عقيدة وهدفها الوحيد المال والسلاح تمهد بذلك ليتحول الجنوب إلى أرض خصبة لأخطر المنظمات الإرهابية في العالم ( داعش، والقاعدة )لينذر الدولة والمحيط الإقليمي من حولنا بالانفجار وشر عظيم. إن مستقبل هذه الحركات المسلحة في الجنوب الليبي يبدو غامضاً وغير واضح ويمثل ملفا أسودا للدبلوماسية الليبية، لما يحمل الكثير من القضايا الشائكة والمعقدة من الإرث الأسود لتاريخ منهج النظام السابق في العلاقات الخارجية الليبية للمحيط الإقليمي والتي كانت تبدو في الظاهر علاقات حسن جوار لكنها في الواقع كانت سياسات عدائية مثلت دوائر سوداء أدخلت ليبيا في صراعات مسلحة مع دول الطوق الإقليمي تشاد والنيجر وتونس ومصر وأججت الصراع في السودان وتدخلت ودعمت غالب الحركات المسلحة في هذه الدول دون أن يفهم المواطن الليبي أسبابا لهذا الصراع. إن أكثر ما يثير الدهشة، الصمت المريب للنخب السياسية التي تمثل الجنوب الليبي حول الأحداث التاريخية والقضايا المفصلية التي تمر بها المنطقة وعن الحديث الخجول للمؤسسات التشريعية والتنفيذية غرباً وشرقاً تهميشاً لقضايا الجنوب وواقعه الكارثي تعتبر أكبر جريمة وطنية منذ الاستقلال من العام 1951م وسيظل احتلال الجنوب واستباحته من قبل جماعات مسلحة أجنبية شوكة في خاصرة الأمن القومي الليبي ودبلوماسيته في الحاضر والمستقبل والتي من المفترض أن تكون استراتيجية مبنية على حسن الجوار والتعاون الاقتصادي والأمني . إن سقوط الجنوب في أيادي الخارجين عن القانون والحركات الأجنبية المسلحة بحسب معطيات الجغرافيا والاقتصاد والسياسة يعني سقوط الدولة.