يحي القويضي
الخو العفن سلّوم العدو
فيما كان العطش والجوع يحصداننا والأوبئة تبيدنا. ومتراليوز الطليان يصب حممه في صدورنا. فيما كنا في قلب الجحيم تتقاسمنا ـ بإنصاف ـ الفاقة، والقبور، والمنافي. وكنا في أشد الحاجة إلى التعاضد كي نخفف الوطأة. يبدو هذا الكائن ممتلئا صحة وعافية، كرشه تقول إنه يتلقى كفايته من السباقيتي! ، وملابسه تقول إنه يعيش متنعّما ! وخيله ورجله تقول إنه ذو نفوذ، وإنه لا يعيش معنا محنتنا!. هذا الكائن الوغد هو يوسف خريبيش، أنذل من أنجبت ليبيا “حتى تاريخه” ، تتجسد فيه كلمة “مِطّلين” بكل أبعادها المخزية الوضيعة. تشكّلت حوله ميليشيات من المرتزقة الليبيين، عرفت تاريخيا بتسمية “الباندات”، وكانوا طيلة فترة نشاطهم، مخلبا أماميا، ورأس حربة في هجمات العدو الإيطالي على أهلنا العطاشى الجائعين المرضى الخائفين. لم تسلم منهم منطقة في ليبيا تقريبا، استخدمتهم الفاشية كحمير كراء مأجورة، وكحائط صد أمام هجمات المجاهدين الذين ـ لتشويههم ـ سمّوا آنذاك بـ “الفلاقة”. وفي مرحلة تالية، شكلوا مقدمة الجيوش المهاجمة.
لشراستهم، وعدوانيتهم المفرطة، كان الليبيون يفضلون الوقوع أسرى لدى الإيطاليين عن الوقوع بين أيديهم، وكانت القرى والنجوع تفضل سيطرة الفاشيست على سيطرة باندة خريبيش، لعلمهم بمدى سفالتهم، وقلة أصلهم، والمدى الإجرامي الذي وصلوا إليه. في الصورة، الكائن خريبيش يسلّم ما أسماه “سيف الإسلام” للدوتشي موسيليني خلال زيارته لليبيا المحتلة 1937. الخضوع، والذل، والعبودية في الصورة، أوضح من أن يحكى عنها، موسيليني كان عادلا تماما في معاملته له، من يخن وطنه، لا يجدر به الاحترام. العقل العربي عموما، والليبي بالأخص، هو عقل تاريخاني محض تقريبا، بمعنى أن التاريخ هو المكون الأقوى فيه، أقوى حتى من الدين رغم ادعائنا العكس، بل حتى الدين نفسه نفهمه بطريقة تاريخانية مضطربة، وليس بطريقة معرفية علمية. ومشكلتنا مع التاريخ أننا نقرؤه باعتباره قصص تسلية أو تنابز، ولا نتعامل معه باعتباره “مدوّنة سنن إلهية”، أو “مدوّنة قوانين حاكمة”، ولهذا بالذات، نعاود اقتراف نفس الأخطاء القديمة. سقطت الفاشية، وصُلب موسيليني على الأعمدة، ودُحر الاحتلال، و “رد الوِطِن لهله”، وبقي الكائن الوغد خريبيش بلا داعم أو حام، أمام شعب غاضب مكلوم موتور، نهايته كانت غامضة، وقرأت مرة أن مليكنا المؤسس رفض فكرة إعدامه، ربما كي لا يمنحه شرف الموت قتلا، وقيل إنه نفق في محبسه. الأوطان تُغزى، وتنتهك حرماتها على أيدى الأغيار، هذا مؤلم، لكن الألم الذي لا يشفى هو أن يكون بعضنا عميلا، و “سلّوما” للعدو. يجب أن نعي كلنا أن الطّلْينة هي عار الأبد، وأنها مهزومة لا محالة، مهما طال الزمن ومهما كان بريقها النذل مبهرا