بعد “عملية أبوسليم”: هل بدأت حكومة الدبيبة تصفية شركائها؟

بعد “عملية أبوسليم”: هل بدأت حكومة الدبيبة تصفية شركائها؟

  • تحليل / سلمى مسعود

ما إن هدأت أصوات الرصاص في منطقة أبوسليم بطرابلس، حتى بدأت ملامح تحول خطير تطفو على سطح المشهد السياسي الليبي، عنوانه الأبرز: انتهاء الشراكة بين عبد الحميد الدبيبة وعبد الغني الككلي (غنيوة)، وبدء مرحلة تصفية الحلفاء السابقين.

العملية التي جرت ضد مواقع تابعة لـ”جهاز دعم الاستقرار” – بقيادة غنيوة – قُدمت للرأي العام على أنها “حملة أمنية لاستعادة هيبة الدولة”، لكن الوقائع والتوقيت والدلالات تقول شيئًا آخر: تصفية حسابات سياسية داخل معسكر واحد، بعد تفكك المصالح وتقاطع خطوط السيطرة.

غنيوة: من الحليف الأقوى… إلى الخطر الداهم

لأكثر من ثلاث سنوات، كان عبد الغني الككلي أحد أقرب حلفاء الدبيبة، إن لم يكن الأقرب على الإطلاق.

تمدد جهازه الأمني بمباركة حكومية، وسيطر على مفاصل حيوية من طرابلس، من بينها الملف الأمني، والاعتمادات، ومراكز الاحتجاز، بل حتى بعض المصارف والمؤسسات السيادية.

لكن كما يحدث في كل تحالف هشّ، تغيّرت الظروف، وتبدّلت الأولويات، لتجد حكومة الدبيبة نفسها أمام شريك أصبح عبئًا… وربما خطرًا.

عملية أبوسليم”: غطاء أمني لتصفية سياسية؟

الحملة العسكرية التي قادتها وزارة الداخلية تحت غطاء “فرض النظام” في أبوسليم، تزامنت مع خطاب تصعيدي مفاجئ من الدبيبة ضد غنيوة، اتهمه فيه بابتزاز الدولة، والسيطرة على 6 مصارف، وترويع المدنيين، واحتجاز معارضيه.

لكن اللافت أن كل هذه الاتهامات لم تكن وليدة اللحظة، بل كانت معروفة وموثّقة لدى الرأي العام الليبي، والصحافة المحلية والدولية، والمنظمات الحقوقية.

فلماذا اختار الدبيبة مواجهتها الآن؟ ولماذا بالتحديد بعد فقدانه السيطرة على جزء من الحلفاء داخل طرابلس؟

الكشف عن “ثلاجة الجثث”: صناعة بطولة أم تغطية على تواطؤ؟

بالتزامن مع الاشتباكات، أعلنت وزارة الداخلية، وبإذن من النيابة العامة، عن العثور على 58 جثة مجهولة الهوية داخل ثلاجة بمستشفى الحوادث – أبوسليم، كانت تحت حماية جهاز دعم الاستقرار.

ظهرت الحكومة بمظهر “المصدومة” من الجريمة، لكن الواقع أن تلك الجثث كانت هناك طوال أشهر – وربما سنوات – في منشأة رسمية، وتحت سلطة جهاز حكومي معلن، مما يعني أن الدولة كانت على علم، أو في أقل تقدير، متواطئة بالصمت.

الإخراج الإعلامي للقضية بدا وكأنه محاولة لغسل أيدي الحكومة من دماء الأمس، عبر صناعة بطولات أمنية تخفي حقيقة التورط أو التستر.

محمود حمزة يفتح النار: “خيانة بالسلاح” في قلب المعسكر

في سياق متصل، أدلى محمود حمزة، آمر اللواء 444 قتال، بتصريح شديد اللهجة، وصف فيه ما جرى في معسكر التكبالي بـ”ليلة الخيانة”، مؤكدًا أن ما حدث كان خيانة داخلية من إحدى التشكيلات المسلحة التي واجهت رفاق السلاح بـ”سلاح مرفوع في وجه الصدق”.

وأضاف:

> “شهادة لله ثم للتاريخ: ما وقع في معسكر التكبالي ليلة موت أحد طواغيت المليشيات، كانت لحظة خيانة منهم بسلاح مرفوع في وجه الصدق، وترويع الحاضرين بسلاح غادر، فما كان الرد إلا ما تقتضيه ساعة الموقف.”

تصريح حمزة يُعيد التأكيد على أن ما يجري ليس صراعًا أمنيًا مشروعًا، بل هو تفكك داخلي بين أجهزة كانت حتى الأمس القريب تتحرك تحت غطاء واحد.

الدبيبة بين نارين: تفكك التحالفات… وتآكل الشرعية

الدبيبة، الذي وصل إلى الحكم بدعم من قوى أمر واقع وأجسام منقسمة، يجد نفسه اليوم محاصرًا بشارع غاضب، ومليشيات تتفلت، وخصوم سياسيين يستثمرون في كل خطوة خاطئة.

محاولته للتخلّص من غنيوة قد تُكسبه تعاطفًا مؤقتًا، لكنها في نفس الوقت تُظهر حجم التواطؤ السابق، وتكشف عن هشاشة تحالفاته، وخطورة المليشيات التي كانت حتى وقت قريب جزءًا من أدواته.

وماذا عن مستقبل ليبيا؟

وسط هذا المشهد المضطرب، يبقى السؤال المؤلم والمُلح: أين مستقبل ليبيا؟

في دولة تُدار عبر تصفية الحسابات، وتُكتشف فيها المقابر الجماعية فقط بعد انهيار التحالفات، ويُحوَّل فيها ملف الموتى إلى مادة دعائية، لا يمكن الحديث عن مستقبل حقيقي.

الشباب بلا أفق، العدالة بلا صوت، المؤسسات مرهونة، والسلاح هو المرجع الوحيد في فضّ النزاعات.

إن مستقبل ليبيا مرهون بقرارات شجاعة، لا بمسرحيات سياسية:

بفصل السلاح عن السياسة، لا بإعادة تدويره.

ببناء مؤسسات حقيقية، لا مجرد واجهات لتمرير المصالح.

بمصالحة وطنية عادلة، لا تحالفات مرحلية مؤقتة.

وبعدالة انتقالية تعترف بالضحايا، لا بمهرجانات بطولية على جثثهم.

فأما أن تختار ليبيا أن تكون دولة… أو أن تبقى غنيمة تتنازعها البنادق.

خاتمة: تصفية الحلفاء لا تبني دولة

ما بعد عملية أبوسليم ليس مرحلة “استعادة الدولة” كما يُروّج، بل مرحلة فرز داخل معسكر السلطة، وتغيير في توزيع المصالح، لا أكثر.

إذا كانت حكومة الدبيبة جادة في بناء دولة، فعليها:

  • محاسبة كل من تورط، مهما كان اسمه أو تاريخه.
  • إخراج المليشيات من مفاصل الدولة، لا استبدال مليشيا بأخرى.
  • إعادة السلطة إلى المؤسسات الشرعية، لا تقوية الأجهزة الأمنية الموازية.

أما إن استمر المشهد في كونه مجرد تصفية حسابات… فالقادم قد يكون أكثر انفجارًا من أبوسليم.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :