بعد هكّي فساد

بعد هكّي فساد

  • سعاد سالم

تَنّوَه 

ما يشبه ترسب التجارب والمعرفة

هذا العنوان: ملخص لأهمية التوازن، وعن أهمية دور  المفردات في لغوتنا، لأنها حينما تتلاشى لابد أن وراءها سبب ما،يدعو للسؤال علاش؟

مفاهيم

 تختفي بعض الكلمات من لغوتنا، وذلك إما لأنه حلت محلها كلمة بديلة، على الأغلب فصحى فتتجرد من كل تراثها المحلي ، أو أن يتغير مكانها بأن تنظم إلى مجموعة أخرى من الكلمات فتؤدي دورا مناقضا لدورها السابق، سلبا أو إيجابا، أو أن يقتصر استخدامها في المستويات التي تجعلنا نبدوا عاجزين أمامها كما لو كانت سلطة عليا يصعب تغييرها، من هذه الكلمات السحرية لفساد أو بلغة الصحافة الفساد.

علاش لفساد؟

سؤال علاش لفساد كان جزء من التربية، أعني علاش لفساد سواء بالطريقة الاستنكارية أو التحذيرية، هى تحديد دقيق لبشاعة العمل الذي يوصف بلفساد، كما وأنها تبدو نظاما اجتماعيا حينما يكون لشخص مار في الطريق امرأة كانت أو رجلا حق التدخل بهذا السؤال علاش لفساد والذي يكون لاحقا للأمر بطّل أو لوّح وهما أمرين جائز أن يصرخ بهما أي شخص يرى شيئا لاينبغي أن يحدث ويتدخل لإيقافه أو للحد من تداعياته.

بعدما صارت لفساد فَسَاد بالفصحى، كم مرة شاهدنا أو تدخلنا لإيقاف فعل شائن لاينبغي أن يستمر؟ قليل جدا ، يقول البعض أن الخوف يلجم الناس! فيما أنا أعتقد بسبب أن لفساد لم تعد كلمة متداولة إلا على المستوى السياسي ، فيعتقد الناس الذين فقدوا لغوتهم بصورة متعمدة أو كأثر جانبي لتأثيرات خارجية ،مثل الخروج عبر النت إلى فضاءات أخرى وعبر الأقمار الصناعية لرؤية أخبار عالمية تفرض لغتها بسبب تفوقها ،أو لأن النظام السياسي منهج الفساد، لذا يعتقدون أنهم أبرياء تماما مما يحدث هناك في اعلى سلطة في لبلاد الآن بشقيها التشريعي والتنفيذي و التي قد يشتمونها أو يتظاهرون ضدها، وهكذا حينما ينجح أمر التغيير سنكتشف أن الفساد لم ينتهِ، لماذا ؟ لأن اعطاء الفساد صبغة شخصية أي أنه تتم مطاردة الفساد في أشخاص تقدم أكباش فداء، هو ما يبقي على نظام الفساد سليما ومستعدا لاستقبال آخرين بطريقة الإحلال. وهذا ما يسمى بالدولة العميقة.

 لا داعي للدهشة ، لأن لفساد كان يوقف عند حده من كسر زجاج بالو الضي إلى تخربيش المقعد ،لتمزيق يافطة أو تقطيع غصن ،إلى تنجير لقّلم دون داع ، كان ثمة من يصرخ في ذاك الصغير أو الصغيرة علاش لفساد، في المدرسة ، في الشارع في حياش الناس وفي حوشهم طبعا وكان هذا كافيا لأن يكون لكلمة لفساد فكرة واحدة في المجتمع تُردع من الجميع . 

لحرام ؟  

كانت علاش لفساد سؤال تنبيه شخصي للنفس ، إنه شبه منولوج داخلي فيما كان الشخص البالغ امرأة أو رجل مقدمين على أمر ما ثم يوقف هذه او هذا الشخص نفسه، متسائلا علاش لفساد.

باتباع عدم المبالغة في أي شئ ، باستخدام تكتيك الاستغناء عن الحاجات المحبوسة أو التي صعب الحصول عليها لئلا تفسد طباعهم بالتطلعات المادية متكئين في ذلك على إرث كامل يؤمن ان الرزق علي الله ، واخدم بناصري* وحاسب البطّال، ولفلوس أوسخ يدين أو أوسخ دنيا، وبقدر ما تعطي هذه التعبيرات انطباعات خنوع هي في عمقها تعامل حكيم وواعٍ مع الواقع بمحاولة عدم القفز في لحرام التي كانت محليا كلمة ذات خلفية اجتماعية أكثر منها دينية وهي مفردة كما أراها: المرادف الأمثل للتعبير الذي ينطق هكذا : الفَسَاد ،

 ولحرام هذا يكون مختصا بالنهب ومستتبعاته من ظلم واعتداء على حقوق الآخرين وباقي الرذائل ، لأن  المجتمع الذي كان أزهد وأقل تطلبا مضى في الأمر إلى نهايته ، إلى التطيين ، حكت لي أمي عن هذا الإرث المقاوم لتخسير جوابهم في السؤال(الطُلبة، لوهابة) ، فحين يضيق الحال إلى درجة لا يمكنه كسب قوت يومه(عام الشر) يقوم الأب بسد باب بيته بالطين ويصبح بيت الطين ذاك مقبرة العائلة،

 إي نعم التطيين على قسوته ،تحول لاحقا للتعبير عن اخفاء او انهاء أمر ما غير مرغوب التحدث فيه ، إنما هو قادم من مقاومة راديكالية لفساد الحياة،

مقاومة لفساد هو أيضا تربية ذاتية لا شك كان لها تأصيل في تقدير مانملك وموازنة الاحتياجات بمفهوم تلخصه حكمة معروفة للجميع ، تقول فيها حنّاي دائما ، علي قدّ غطاك مدّ رجليك، لذا سواء هذا الغطاء القصير صنيعة نظام كامل اتبع سياسة (جوّع كلبك ايتبّعك)  أو بسبب طموحات شخصية لم تكن تُردع في الطفولة بصورة كافية ، هذا بلا شك قاد المجتمع عائلاتٍ وأفرادا إلى أن تكون فكرة لفساد مشوشة أو غير مصنفة ما يجعلها مستساغة بل ومبررة، لأن لفساد في النهاية أُعتمد كحل بديل للمنع والحرمان،ثم صار فلاحة وفلان يخدم علي راسه.

علاش لفساد باقٍ؟

الفساد ليس شيئا يهجم فجأة كجيش أو وباء أو مرض خبيث مع إنه أكثر افتراسا منهم مجتمعين ،ذلك لأنه  يقضي على الدولة باعتبارها كيان مسؤول عبر مؤسساتها والقوانين في التأثير البالغ على الهوية والسلوك والتفكير لدى المواطنين وهذا يعني أن  هؤلاء الأشخاص الذين يشغلون مواقع صنع القرار ،والمؤسسات التي اوجدت لبلورة تلك القرارات والتصورات وإدارتها وتشريعها وتنفيدها ومراقبتها وملاحقتها قانونيا في حال اخل بعضها بإلتزاماته، إنما هي تدار جميعها بأفراد من المجتمع الذي توقف عن ردع لفساد في الشارع والمدرسة والبيت، ويقبل بوعيه الجمعي المقاد بنظام سياسي جرده من قيم أخلاقية كانت حاصرت لفساد منذ كان يحبو في الشارع يكسر الزجاج ،وينزع شتلة، ثم بدأ يستحود على الملكية العامة ،ويوصل الكهرباء من مصدر الطاقة الرئيس، ويزدري نظم وقوانين المرور، مرورا بشراء شهادات عليا ،كان أساسها انخراط العائلات  في ماراثون الحجّيبات الرسمي في كل عام وفي كل مراحل التعليم، إذاً في الواقع الناس في المجتمع ليسوا أبرياء، فبشكل أو بآخر ولضعف مقاومته أسس الفساد في ليبيا قواعده الخاصة والتي في مستوى معين منه ، كان وسيظل غير مسموح لأي كان بالفساد، فالفساد الذي كُشف وسيكُشف لن يصبح رأي عام يهدد بنية الفساد، إنه قد يبدّل الأسماء وسيسمح بانتماء عدد أكبر من العوام إلى امبراطورية فساد الخواص، ليضمن أن ملح الليبيين جميعهم مخلط بلحرام.**

_______ يتبع ..عن الفساد كهواية.

*الناصري:  عملة تم إصدارها في ليبيا خلال فترة حكم الملك إدريس الأول في الفترة من عام 1951 إلى عام 1969. كانت تحمل اسم الملك إدريس الأول بن الناصر، وتم تداولها بدلاً من الجنيه الليبي الذي كان يستخدم قبل ذلك. تم إصدار العملة بفئات مختلفة تتراوح من 1 ناصري إلى 1000 ناصري. وقد توقف تداولها بعد عام 1969. المصدر ويكيبيديا.

** حكاية شعبية.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :