محمود شريف
يُرَاقِبُهُ بين القنا ويطالعه
يُواصِلُهُ حيناً وآناً يُقاطِعُه.
يُرِيهِ على ناي تباشیر نوره
فتمْتَدّ في أَفْقِ الغيابِ طلائعُه.
كأنك شعرًا دَبّجَتْهُ نِصَالُه
تَجَدّدُ أُخْرَاهُ وتَبْلَى مَطَالِعُه.
أرى أصبع الإصباح يُوحِي لِلَيْلِهِ
فيا هول ما تُومِي إليه أصابِعُه.
أفي كلّ حينٍ يسلم المرءُ ناجياً
تقرّ تراقيه وتَهْدا مضاجِعُه؟
فيا عَجَباً للدهر كيف شؤونه
يُطَاوِعُ عَاصِيهِ ويعصي مُطَاوِعُه.
فليس يُبَالي الدّهرُ ألقى بسمعه
غناءَ هَزَارٍ أو تَنِقّ ضفادِعُه.
جرى بَرَدَى دمعاً على حرّ خدِهِ
قد اختزلت هول البلاء مدامِعُه.
يكاد من الحُزنِ الشَّجي بيُوتُهُ
تحدّثنا عن حاله وشوارعه.
ولم أر سيف الدولة اليوم قائماً
على حلب والروم فيها تُصارعه.
أ لِلسهم ما يرمي وللرمح ما فَرَى
وللسيف ما يحمي وما هو قاطعه.
كأن صلاح الدين تحت ضريحه
تنازِعُهُ أكفانُهُ وتُمَانِعُه.
سَلِ الحَوْر هل في ظله غيرُ سيدٍ
شهید على مرمى الجنان مصارعُه.
رواية حُزنٍ طُولُها مَلّها الرّدَى
فيا عجباً حتّامَ يسأم واضعُه.
سيرتدّ هذا السيف نحو قرابه
إذا ارتدّ للنصر المؤزر لامعه.
هنا رَتعَ التاريخُ غَضّا إِهَابُهُ
فهَاتِيكَ مَغناهُ وتلك مرابعُه.