بيان المواطن البسيط !

بيان المواطن البسيط !

سعاد سالم

تَنّوَه 

ما يشبه ترسب التجارب والمعرف

رزق احكومة

 نحن وفي المجمل كشعب من عائلة المواطن البسيط الوصف الشائع في الصحافة ، المواطن البسيط يقول ، المواطن البسيط يعبّر ،المواطن البسيط يشكو ،ولا أعرف متى ألصقت البسيط بالمواطن وصبغت سمعته كما لو أنها بقعة حبر في سوريته، ومايعيب البسيط ؟سيقولون، إنها تعني راقد الريح ، يعني قليل المال وقليل الوالي بالتالي قليل الجاه والكلام ،ولكن سرعان ماسنكتشف أن البسيط المفردة المفضلة أيضا حين يكون الحديث عن قلة المعرفة، وتشوش المفاهيم ،مثلا سيقول صحفي ما إن المواطن البسيط يحتاج أن يفهم مالذي يحدث، والمواطن البسيط لايريد أكثر من الخبزة والماء، والزواج وحجاب النساوين.

لكن لماذا أظل أتخيل المواطن البسيط أشخاصا يحطمون زجاج  نوافذ مدرسة ،ويصطادون لامبة عمود إنارة أو يلوثون الجدران و يحذفون بقايا طعامهم من النوافذ ويسرقون القرطاسية ووصولا إلى انتشار فكرة الحيازات المقدسة كلما صادف ومرقت الكلمات : رزق احكومة، التعبير الذي لن يمر دون قفلته الأشهر  (ربي يدومه) ،وهو كما أتصور منتج ليبي بحت، في تماهي الناس مع اتهامهم بالإهمال والتخريب أو بالجشع والاستيلاء على رزق لحكومة مجانا ،وبالتأكيد كما دائما التعبير يشير إلى  كمية هدر الإنسان في هذه البلاد لثروات الوطن يا في بطنه، يا في غوط الباطل، ولكن ماذا لو لم نقفل الجملة الملتصقة بلسان نفس المواطن ونتركها هكذا : رزق حكومة ،ثم نتأملها؟ ألا تبدو عبارة بليغة من مواطن بسيط؟ أيعقل أن نفس الإنسان البسيط يتهم الحكومة بالسرقة وإن بالتلميح و أن ربي يدومه رد فعل نكاية في الحكومة اللصة، بتحوله إلى فرد من جماعة علي بابا والأربعين ؟

مارشال ليبي

لم أسمع أن للحكومة الهولندية رزقا ،ولا أظن الأمور تدار بهذا الشكل المعقد  فمع كل إيرادات البلاد من صادراتها، ووفرة عائدات السياحة ومن كل منشآت الفنون والتعليم واللهو، ثمة دخل مهم من الضرائب التي يدفعها الناس، وعلى رغم كل ماذكرته ومالا أعرفه عن مصادر أخرى  لدخل ممكلة هولندا إلا أن المواطن فيها لا يبدو بسيطا أبدا فهو يريد دائما أن يعرف أين تذهب أموال الضرائب التي يدفعها ،كما وأنه يحتج على وجوه صرف ضرائبه ،ويثير الكثير من الأسئلة ويظهر نفاذ صبره  من خلال نوابه في البرلمان بخصوص أموال العائلة المالكة. فيما رزق حكومة تبدو تعبيرا ملائما لليبيين لعدم وجود أي علاقة بين المواطنين والمال العام في الظاهر والخاص كما يكشفه تهلهل البلاد ، لماذا أقول ذلك؟ ربما لأن الناس بين نهاية العام احداش ومنتصف اطناش وأنا منهم  مرت بلحظة من حلم يقظة استرجعت فيه الرزق ولبلاد؟ ربما ولكن المؤكد أن الحرب حين تمر فوق مكان ما لابد أن تجعل الناجين يستعيدون الرابط مع الحياة التي كادت أن تضيع ، ربما بهذا الحماس أمسك الناس بالمكانس ونظفوا الشوارع لمارشال ليبي قادم لامحالة لبناء ليبيا وكما مشروع إعمار أوروبا سيتركز على المستقبل لا على مادمرته الشمولية.

في 2010  وكان مر على عملي في الصحافة 14 عاما ، لم أستطع أن أستوعب ما مكتوب في شهادة الراتب خاصتي ، والتي تتناسل في جانب منها الضرائب والخصومات، فيما ظهر في جانبها الآخر رقم لامع كصافي دخل لايتجاوز حسب سعر الصرف الرسمي حينها 230دولارا .

  لكن لماذا الضرائب التي ندفعها كمواطنين في ليبيا لايجعلنا نسأل أين تذهب أموال الضرائب، فما بالك بالسؤال الكبير، لماذا المواطن البسيط فقير؟

التلاعب

لغة الحكومة تصدرها الصحافة ، لهذا يجب أن نكون أكثر حذرا فهي حين تجرّف اللغة لتضع مفردات أخرى على لسان المواطن لتجعله بسيطا وتتباسط معه تارة وتارة أخرى تجعله شيطانا يخرب رزق لحكومة مع أنه يتمنى دوامه، ليست مؤامرة بل هي أداة حكم أخرى لا تتمتع باسم لائق، لهذا حينما يطاح بمنتج اللغة المحلية ليس بقصد التطوير بل  بغرض الإخضاع، فالتعبيرات القديمة عن الفقراء كانت توصيفا لحالة وليس للشخص، زوالي، حالته رقيقة، كيف راض الله، فيما تعبير بسيط تصفه هو ،وضمنيا تقول إنه من أوصل نفسه لهذا الحال، وسيوبخ هذا البسيط حتى من أخيه البسيط ،لأنه سلبي، لأنه مش واعي، لأنه لايعمل،لأنه ينجب بلاحساب، فالبسيط ستكون حمّالة أوجه فهو المسكين الذي يريد المرشد وينتظر التوجيهات ،وفي موقع آخر هو من يدمّر منشآت دولته ،وهو من يتحمل مسؤولية فشل سياسات الحكومة وتبديد رزقها.

من الغريب أن الليبيين يسمّوا في الغني مبسوط، من البسط والراحة، ولكن ماهذه البسيط إن لم تكن لفظة مهجنة تحمل الشفقة والإيحاء بقلة الزاد في البطن والمعرفة ،وحائط مبكى للصوص الحكومة.

حرب نفسية بالأرقام

حتى حين أثير السؤال أين تذهب فلوس النفط في لحظة تاريخية مباغتة ؟ طارت التحليلات في الهواء والغضب والشكوك والاتهامات ولا أتذكر أن أحدا أجاب ،فضلا عن معرفة كيف تسرب السؤال ولماذا ومالهدف ساعتها ومن يبتز في من ؟وأدخلتنا السلطة  في دوامة أسئلة تنتجها وتجيب عليها  ،فيما ظل الحال على ماهو عليه، من فتور بين الشعب والخزانة العامة ،غير أنه وفي ظروف لم تعد تتذكرها المواطنة البسيطة أنا ،استمرت و لفترة طويلة نسبيا تضع نشرات الأخبار والصحف أرقاما عن الكميات المصدرة من البترول، واستمرت لحكومة تكسب ومواطنها البسيط يحسب،

ولكن هذا لم يكن شيئا طارئا على نفس المواطن البسيط فبعد تصدير النفط الذي بدأ كما تعلمون في 1961 وحتى هذه اللحظة ظل السؤال وين تمشي فلوس البترول يرد عليه بإجابة واحدة : الفساد ، وفيما إحصاءات المحللين والخبراء والتسريبات والوثائق تشن حربا نفسية بأرقام المال السايب  ، نسوا أن هذا الفساد تشخيص سبقهم إليه نفس المواطن البسيط الذي يشاهدهم ويقرأ لهم ويتصنت فيهم ،وذلك من وقت سمّاه رزق حكومة، ولكنه كان أكثر دقه ففيما مفردة الفساد تحيلك إلى متهم مجهول وبلا ملامح ويشعرك بالعجز عن إيقافه ،رزق حكومة تشير إلى أشخاص بعينهم ،وتحملهم المسؤولية، فيما سؤال النفط هو سؤال لتفكيك هيكل السلطة المستبدة ويشير في هدوء إلى العاصفة القادمة.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :