- مصطفى الطرابلسي
أطلُّ عليك من حلم قديم ،متاخما أنجمَ ليلك بالحنين،أطاردُ في وهج شوارعك نسيما مُيَسْمَنّا يستبق العفن،أمتطي “دالك “إلى “تائك” المسيجة ؛في المنتصف تتتعقبني “نونك”المفتوحة للأغبرة ،أستهيمُ في وهاد “رائك”،وقد عادت كالعرجون القديم،ويأخذني الحلم لأرخبيل إيقاعات التواشيح، في جوقة “أندلسية”، تتهادى من ورائها خطواتُ سارٍ بالليل ،يدندن بينه ،وبين خلاء الزقاق، أغنيةً تعلتي حوافَ نافذة مضاءة بحمّى الشغف؛يفاجئني الصباح ،وأنا على قيد نعاس مقتطعا عليَّ تراكيبَ حلم ،رأيتكَ فيه قرينةَ صبا ،وأليفة عشق ؛فيفضحني كثيبُ ملحٍ ،يثرثر من ركح الهدب على نظارة الجراح. أنسربُ في مساءات القيظ ،والظلمات إلى الأقواس المنكفئة على أحجارها ؛مخافة النحاس القابض على مجامر النار المعلبة ،أسترقُ النظرَ للمئذنة العتيقة ؛تنحني ملزمةً حذرَ نفاذات الأفق النّعَاقة. أعودُ أدراجي للمقهى القديم ،حافيا من الحكايا ،وآذان الجلاس تسترقُ أملا من مذياع أشيب ،تنزاح من حلق المواجع غصصٌ برّحتْ بمضيقه ؛وإن انزلقت جلمودُ وجع حطه الفقدُ من شاهق لقيا. أنضو عن اغتباش الخرائب ،تراكمَ الغبار يخمشُ الأزرقَ كحلَ مشارف رؤاك ؛يوم أحسنتِ بأضيافك المظان ،وتركتِ العهدةَ على عواهن الرواة؛يستكنُ في جنبات الروح ،خوفٌ حديثُ المكثِ، يعود بي إلى الخلف من حيث جئتكِ صريعَ منامةِ الماضي ؛مغبةَ افتزاعِ رهابِ الراهن ؛حينَ يكونَ الارتجاع ،نجاةَ السائرِ في طريق الغد المجهول. لم أجدكْ في انتهاء الترحال ،غيرَ عصا أنهرُ بها الأطيار، مخافةَ الغناءِ على الأغصان المعطوبة. هل كذبَ الرائدُ أهله ؟أم السرابُ أكذبه ؟! مَنْ عَلَّمَ النسيانَ هجرَ أفنانَ التذكرِ المُمِّضِ ،ومَنْ هتكَ سجوفَ المُغَيّبِ؛ حتى ألفناه حدسا نتهجاه بملافظ التيقن؟!!. لم يكُ كافيا ،أنْ يبقى من زهرة الأمس اسمها ؛ومالضير إنْ هي ارتجتْ حتى يفي الوعدُ بحلم مدينة،تعيشُ في ظلال شيخوخة هنيئة،تنتظر البياض ؛خاتمة ترحالهاالموهن!؟. في التراب ازدهرتْ، وفي التراب اندثرتْ،وأقفرَ الحقلُ من صوادحه،وصُوّحَتْ أزاهره.