د :: سالم الهمالي.
ليس مستغربا وكان متوقعا حدوث تعطيل للعملية الانتخابية التي حُدد لها موعد يتوافق مع الذكرى (70) لإعلان استقلال ليبيا، والسبب الرئيس – في تقديري – هو التنازع على السلطة وليس التنافس عليها في البلاد. من الصعب إيجاد تعريف للسلطة الحاكمة في ليبيا، لكن يمكن أن نقول إنها تتوزع فيما بين حكومة الوحدة، المصرف المركزي، القيادة العامة، التشكيلات المسلحة، مجلس النواب وأخيرًا المجلس الأعلى للدولة، وبالطبع لا ننسى الذراع الأهم في هذه المعادلة متعددة الأطراف؛ المجتمع الدولي، الذي تنضوي تحت مظلته البعثة الأممية وسفراء الدول العظمى المتداخلة فِي الشأن الليبي وبعض الدول الإقليمية. بذلك، يمكن أن ندرك أن عامة الشعب لا يمتلكون من زمام السلطة شيئا، وكل ما يحدث، هو في الواقع ادعاء ينقصه التفويض الانتخابي أو الدستوري. فلا يوجد في ليبيا حتى الآن دستور يمكن الرجوع إلى أحكامه ولا أي شرعية شعبية لأي جسم أو مكون من مكونات السلطة التي ذكرتها آنفا. هذا لا يعني عدم وجود إرادة شعبية، إذ يمكن إدراك ما تطلبه من خلال العدد الكبير (مليونان ونصف) ممكن استلموا بطاقاتهم الانتخابية، استعدادًا للمشاركة، فيما ظنوا أنه اليوم الموعود، الذي يتخلصوا فيه من سلطة الأمر الواقع باستبدالها بخيار ديمقراطي حر عبر صناديق الاقتراع. التنازع على السلطة هو الأمر السائد في ليبيا، عطل التوافق وإقرار الدستور ويعطل أي حل أو مبادرة للحل لا تتوافق مع رؤى الأطراف المتنازعة على السلطة، أو بتعبير أدق، تضمن بقاء السلطة (المال، القرار، القوة) في أيديهم. هذه الحالة استقطبت أطرافا خارجية لساحة الصراع الليبي لدعم مواقفها داخل ليبيا، على حساب أو بالتفريط في سيادة البلاد ومواردها. ولا يخفى أن الأطراف الخارجية التي تدخلت في ليبيا ولها مصالح أخرى، كانت السبب وراء دخولهم حلبة الصراع، منها، استغلال هذا التواجد كورقة مقايضة في مناطق النزاع الأخرى حول العالم؛ روسيا اليوم تمهد للوصول إلى مالي بعد أفريقيا الوسطى وليبيا حلقة وسط مهمة في ذلك، وتركيا منشغلة بإبراز قوتها الإقليمية من أذربيجان إلى ليبيا، مرورا بقطر وسوريا والصومال. دخول القوات الأجنبية إلى ليبيا لا شك أنه بطلب ليبي، أو بتعبير أدق أطراف ليبية، لكن خروجها لا ولم ولن يحدث بدون انقضاء مصالحهم، وهذا ما يفسر التلكؤ في خروج القوات الأجنبية بالرغم من توالي المطالبة به في مختلف المؤتمرات التي تتداول الشأن الليبي. لا نحتاج لبحوث كثيرة لنعرف ما يطلبه المواطن، فأينما ذهبت في ليبيا تتكرر المطالبة بوطن مستقبل ودولة ذات سيادة وبنظام حكم ديمقراطي عبر صندوق الاقتراع؛ إلا أن ذلك يُخفي وراءه جملة مِن الاستثناءات، التي يراها كل طرف تفصيلا لنظام حكم يختلف عن الآخر. غياب التوافق على رؤية الدولة، في صورة دستور مكتمل الأركان أو مشروع عملي قابل للتطبيق وبعيد عن التأويل أمر واضح وجلي، ضاعف من تأثيره وجود أناس أتت بهم الصدفة لتعبئة مراكز السلطة والحكم، رَهن الدولة وفاقم مِن وهنها، فأصبحت كيانا متهالكا وضعيفا يحكمه مغامرون. هؤلاء ليست لهم المقدرة على إدارتها فما بالك الخروج بها من أتون أزمة لم تشهدها البلاد في تاريخها الحديث. لا يغيب عن أحد أن من تسبب في كل هذه المآسي والآلام، هم ذاتهم من يتداولون الأزمة، والشعب المغيب ينتظر فِي دخانهم الأبيض؟!