تقاسم الحزن

تقاسم الحزن

بقلم :: ليلى المغربي

لصديقي الشاعر والاعلامي عبدالقادر العرابي

حين أرسل لي يقول “زوجتي رحلت لجوار ربها”، غاب صوتي في سديم الحزن، شعرت بالعجز عن مواساته، ألجمتني الصدمة وفاجعة صديقي، لم أدر كيف أخفف عنه وجعه لفقده، وأنا أعرف مقدار حبه لزوجته من نبرة صوته حين يتحدث عنها، أحسست بتلك الغصة التي تخنقني وتذهب صوتي، فلا أعود قادرة على ترديد كلمات ملائمة في مصاب جلل كهذا.

تذكرت فجأة حادثة حصلت معي قبل شهرين تقريباً، كنت عائدة من السفر في مطار برج العرب، ركبت الحافلة التي تنقلنا للطائرة، متحمسة بعد رحلة عمل ناجحة، كنت انظر للواقفين بقربي دون تركيز، كأني أود أن أدفع بتلك الحافلة والطائرة بتلك الطاقة العالية بداخلي، فأصل لبيتي في رمشة عين، فوجئت برجل ثلاثيني يحمل حقيبة صغيرة بيده اليسرى، بينما يحرر يده اليمنى من الحزام الجلدي المعلق في سقف الحافلة لحفظ توازن الركاب، أدخل يده إلى جيبه وأخرج جواز سفر وفتحه أمامي وأمام زوجين عجوزين قائلاً ” انظروا .. هذه زوجتي .. جاءت معي على قدميها .. والآن تعود في صندوق مع الحقائب” بصوته المرتجف الضعيف وعيناه اللامعتان بدموع يكابدها كي لا تنهمر ووجه شاحب يقطر وجعاً وحزناً، ألجمني وجعه وتصرفه العفوي فلم أجد ما أقول، ذهب صوتي حين احتجت إليه، كان لايزال جواز السفر بيده المرتجفة مفتوحاً على صورة زوجته الشابة، يكرر كلماته ويحكي عن مرضها المفاجئ، أشحت بوجهي نحو النافذة والغصة تختقني، ولكنني عجزت عن منع دموعي التي فرت غصباً، حين صعدت للطائرة وجدته قد سبقني ويجلس في مقعد خلفي مباشرة، إلتقت نظراتنا فلم أجد سوى بقايا صوت مبحوح مهتز لتعزيته بجملة باهتة.

مرت الرحلة ثقيلة وملامح ذاك الرجل وهو يتحدث إلينا في الحافلة لا تغيب عن بالي، حين أنهيت اجراءات خروجي من المطار، وجدت زوجي وأولادي بانتظاري وابتساماتهم تسبقهم، اغتصبت ابتسامة باهتة وجهتها لهم وعانقتهم، واتجهت مسرعة للسيارة تاركة أمتعتي لهم، وحين سألني ابني عن جثمان شاهده يخرج من باب المطار، أطلقت العنان لدموعي التي حبستها مطولاً، كنت غريبة تبكي مع غريب على غريبة ( جملة صادفتني مرة في رواية للدكتورة فاطمة الحاجي)، فكيف أجد صوتاً يعزي صديق على فقده الكبير، سوى أن أقاسمه الحزن وأبكي معه دون حديث.

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :