الصلح في التاريخ والموروث الثقافي الليبي

الصلح في التاريخ والموروث الثقافي الليبي

حسام الفنيش

 يعد ملف المصالحة الوطنية من الملفات المعقدة والمهمة والضرورية لبناء الدولة وعلى النخب السياسية والفكرية الاطلاع والبحث عن التجارب الإنسانية التي خاضتها بعض الشعوب في إنجاز المصالحة الوطنية والتي أسهمت بكل تأكيد في استقرارها وتقدم بلدانها، فالمصالحة والتسامح والعفو أساس تقدم الشعوب وبناء الدول التي خاضت حروبا ونزاعات فيما بينها أما العنف والكراهية وتكريس ثقافة المنتصر والمهزوم هي إحدى السبل لهدمها وكذلك يمكن لها الاستفادة من بعض التجارب التي خاضها مجتمعنا الليبي في مراحل تاريخية سابقة وكما يمكن الاستفادة من تجارب الصلح في موروثنا التقافي. وسوف أتناول بعض الأمثلة التاريخية عن الصلح في الموروث الثقافي الليبي. * المسار و الدربة جلسات الصلح تقليد متعارف عليه بين القبائل والعشائر المنتشرة في عدد من الدول العربية مثل ليبيا ومصر والسعودية والأردن والعراق لحل الخصومات دون تدخل الدولة ويلتزم أبناء القبيلتين المتخاصمتين بما اتفق عليه الشيوخ خلالها وعادة ما تبدأ الجلسات بكلمات شيوخ القبائل وتعرف هذه الجلسات بين قبائل الشرق الليبي ( بالمسار ) بينما تسميها القبائل القاطنة في الصحراء الغربية من جمهورية مصر ( بالدربة ) ويقول الدكتور حمد خالد الباحث في التراث البدوى إن قبائل أولاد علي كانت تقطن مساحات شاسعة من الأراضي المصرية والمحادية للأراضي الليبية وقبل أكثر من 330 عاما لم يكن هناك وجود لإدارات حكومية أو شرطة بتلك المناطق فلابد من نظام حكم يحفظ الحقوق

إحدى أمثلة الصلح في الموروث الثقافي والتاريخي حدثت بين قبيلة العبيدات الليبية وقبيلة الجميعات المصرية لإنهاء خصومة استمرت 37 عاما حيث نصبت خيام في الأراضي المصرية المتاخمة للحدود الليبية لإقامة مناسبة الصلح حيث وقف أعيان قبيلة الجميعات المصرية مرحبين بضيوفهم من قبيلة العبيدات والتي تعتبر من أكبر قبائل الحرابة القاطنة بالشرق الليبي والذين جاؤوا من أجل تقديم عدد (100) من الإبل أي مايعادل آنذاك ( 400) ألف جنيه مصري لقيام أحد أبنائها المجندين بحرس الحدود الليبية بقتل أحد أبناء قبيلة الجميعات عند دخوله الأراضي الليبية. *

ضربة أولاد علي للقبائل عادات وتقاليد وقوانين وضعت من قبلهم تحدد التعامل والعلاقات فيما بينهم مثل القضاء العرفي والمسمى عند قبائل أولاد علي ب ( ضربة أولاد علي ) وهو القانون الذي يحكم بين أبناء هذه القبيلة وهو بمثابة دستور واجب النفاذ والقاضي في المجتمع ولايضيع عنده حق لذلك يسمى بلقب ( المرضي ) أي أن الجميع قد ارتضى بحكمه. * حتحات علي ما فات ( ميثاق الحرابى 1946) المعنى مشتق من جذر ( حتحت ) أي حتحتة الشيء وتعني المبالغة في تقسيمه وتجزئته فيما حدث أو يحدث. بعد هزيمة إيطاليا في الحرب ووقوع برقة تحت الوصاية البريطانية كانت الأوضاع الاجتماعية داخل المجتمع البرقاوي متوترة وتنبئ بوقوع تارات وانتقامات بين المتضررين من الاحتلال الإيطالي فأطلق إدريس السنوسي رحمه الله مبادرة للصلح بعنوان ( حتحات علي ما فات ) وبدعوة منه اجتمعت قبائل الحرابي بمدينة درنة بتاريخ 18 أبريل 1946 واتفقوا على توقيع ميثاق وطني بين جميع مكونات برقة من البادية والحضر بعهد يفضي بإيقاف كل خصومة ونزاع ولا يسمح بالمطالبة بحق قديم حتى تحقق البلاد استقلالها ويعتبر الميثاق بمثابة قاعدة أسست للسلم الاجتماعي بين جميع المكونات والتركيبات الاجتماعية ببرقة كما أنه ساهم في تجنب حرب أهلية كانت ستحدث نتيجة الأحداث الأليمة التي عاشتها البلاد في فترة الاحتلال الإيطالي.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :