تقديم المجموعة القصصية في فلك الحكايات

تقديم المجموعة القصصية في فلك الحكايات

  • أ :: الاستاذ أسامة الألفي

الاستاذ أسامة الألفي

لم أعرف د. محمد فتحي عبد العال شخصيًا، لكني عرفته من خلال كتاباته العلمية والأدبية والفلسفية مثقفًا شاملاً، يبرع فيما يكتب من موضوعات، وهو في هذه المجموعة القصصية يطرق مجال السرد عبر القصة القصيرة. والسرد فن من أقدم فنون الكتابة منذ ظهر مع تعاليم أو وصايا شوروباك، تلك النصوص السومرية التي تعود إلى بدايات الألفية الثالثة قبل الميلاد، وعرفه العرب عبر الحكايات الخرافية والأساطير، حتى نزل القرآن الكريم ليؤطره في قص بديع لحكايات الأنبياء وأنباء الأمم الغابرة. أعود إلى مجموعة د. عبد العال القصصية لأقول إنها تكشف عن كاتب قصة موهوب بالفطرة، فقط يحتاج إلى العناية بما يمتلك من أدوات فنية ويطورها بالدراسة الواعية، بخاصة أنه تتوفر له أهم ما يجب أن يميز القاص من صفات بدءًا بقدرته على الغوص في ضمير مجتمعه، وإمتلاكه قدرات خلاقة تمكنه من استيعاب ملكات القص، إذ يتوافر له هذا لكنه يخطيء حين لا يمهد لنهايات قصصه بالمنطق ويفرضها على القاريء دونما تمهيد لها، فيما الأخير مستغرق في متابعة القصة. وقصص المجموعة في مجملها ترسى مكارم الخلاق، وتتوافر لها مختلف العوامل المكونة للقصة من ايجاز وتكثيف ورمز وصور بلاغية إيمائية، فلكل كلمة خصوصيتها وشروطها وتقنياتها، وبرغم كل هذه الايجابيات إلا أن الكاتب يتقاعس حين يكتفي بطرح المشكلة دون مناقشة حلولها العملية، مكتفيًا بأن النهاية الطبيعية لكل قصة تمثل ما يراه الحل المثالي. وقصص د. عبد العال تتوغل في عوالم النفس البشرية، وتوظف السرد في تنوير القاريء بالعلوم والمعارف والفلسفة، نلمس ذلك في قصة “للموت طرائق أخرى” التي تدور في إطار علمي بوليسي حول بحث طبيبين عن سر سكرات الموت التي تغشي البشر قبل الممات، ونراه في قصة “ودارت الايام ” يقدم صورًا وأقنعة اجتماعية في قص واقعي، وتجليات رمزية في قص رومانسي، إذ آمن المؤلف بقول شيخ العربية وفيلسوفها الساخر الجاحظ ” المعاني مطروحة على الطريق” فطاف بقارئه إلى عوالم من الدهشة لا حدود لها، منقبًا في جدار الصمت ومحركًا مياها راكدة، لذا جاءت معانيه وموضوعاته من واقع الشارع المصري، دون تصنع أو افتعال فهي مولودة من رحم تجارب إنسانية مفعمة بالعاطفة والصدق والمعاناة، وأضاف إليها الكاتب نكهته الخاصة فصارت أشبه بخبز طازج فواح الرائحة شهي الطعم، ويتبدى هذا بوضوح في قصته “عشق وأشياء أخرى”، المستوحاة من تاريخ الجبرتي والتي تفضح الأثر السلبي لممارسات السحر والشعوذة. وتظهر موهبة المؤلف وقدرته على توظيف ألفاظه ومعانيه في خدمة الهدف والمغزى الذي يريده، في قصتي ” عيون من الماضي” و” الرزق بيد الله”، ففي هاتين القصتين تبدو مكونات شخصية الكاتب وفكره من خلال لغة قصصية إيمائية، وحسن توظيف التكثيف والرمز واللفظة البلاغية، ليتارجح بقارئه في توتر درامي، بين واقعية تخييلية وتقنية المفارقة، التي تستفز العقل وتدعوه إلى الإمعان والتدبر. إن المجموعة – باختصار – تعلن بجلاء عن مولد كاتب قصة موهوب، يشق طريقه بثقة وثبات في عالم السرد، وكلي ثقة أنه قادر على تقديم الأفضل، وترسيخ قدميه في عوالم القصة الحكائية.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :