درنة/ بيه خويطر
ماتت مدينة لكنها ولدت دولة، هل رأيت مدينة تلد دولة؟ إنها درنة.. جملة تداولها رواد التواصل الاجتماعي حينما هبّ كل الليبيين شرقًا وغربًا، شمالًا وجنوبًا لإنقاذ ما تبقى من درنة وإطلاق حملة فزعة خوتهم، متناسين كل أحقادهم.
درنة التي أوجعت القلوب جمعت شتات الإخوة الذي طال لسنوات عجاف، فلم تجرف السيول معالم المدينة والأرواح فقط، بل جرفت خلافات سياسية ونزاعات قبلية، وبقي الترابط الاجتماعي بين أبناء الوطن الواحد صامدًا واقفًا ضد التيار.
يقول محمد المصراتي، ما حدث في الشرق الليبي من أسوأ الكوارث الطبيعية التي يشهدها العالم، فمن المستحيل أن يقف الغرب والجنوب متفرجين، وعدد الضحايا في تزايد وخاصة أننا نفزع لدول الجوار، فما بال أهل بلادنا!.
وتضيف مواطنة من مدينة مصراتة المكنّاة بأم الشهداء، “فقدت 5 أبناء في الحروب اللعينة ولم أتوقع يومًا أن أضطر لإرسال ابني الوحيد للتطوع لإنقاذ أهلنا في الشرق، عندما رأيت حجم الكارثة أدركت أن المصيبة جليلة، وأنا وحدي أدركت أن الفقد كبير وعظيم”.
أما المواطن محمد جبران فيقول، “أنا ولي دم فقدت إخوتي وأبناء عمومتي في حروب متفرقة، لكن عندما يصبح الأمر متعلقًا بكارثة طبيعية وتصبح مدينة بأكملها منكوبة وأهلها مستضعفون، يجب على كل ليبي حر أن يقدم كل ما بوسعه لإنقاذ الغارقين وينسى الفتنة التي زرعها السياسيون بين الإخوة”
وأضاف جبران، درنة التي وضع الله فيها سره حضنت طوال السنوات أبناء من كل القبائل الليبية، فتجد سكانها تعود أصولهم من الغرب والشرق والشمال والجنوب، وقد أقاموا روابط اجتماعية قوية بينهم.
وأعرب المواطن محمد صالح من الجنوب الليبي عن تضامنه وقال إنه يثبت للعالم أجمع أن الليبيين إخوة في الله وفي الدم وفي الوطن، وما حدث في درنة لو كان في أي مدينة أخرى، لرأينا أهل الشرق فازعين بكل ما أوتوا من قوة.
أما بخصوص الشائعات المتداولة عبر منصات التواصل الاجتماعي، فقد نفى أحد العناصر التابعة للواء 444 سوء معاملتهم والزج بهم في السجون من قبل القوات المسلحة.
وأشار إلى أن القوات العسكرية الشرقية والغربية كانت يدًا بيد في مساعدة المتضررين، حيث رحبت القيادة العامة بوجودهم وعملت على إرشادهم أثناء تجوالهم بين المدن المدمرة.
ويضيف أحد أفراد القوات المسلحة، رغم الألم والمصاب العظيم، سعدنا بتواجد إخوتنا في المنطقة الغربية وفي كل المدن الليبية في تقديم يد العون لنا ومساعدة الأهالي المتضررين، كنا معا كقلب رجل واحد.
وتعليقاً على تلاحم المواطنين، صرحت الناشطة الحقوقية نسرين فتحي، أنها توقعت انطلاق الشرارة الأولى من درنة المنكوبة من كل الليبيين والإطاحة بالمسؤولين والحكومات المتخاذلة ومحاسبتهم على إهمالهم في صيانة البنية التحتية وإزهاق الأرواح.
وتقول المواطنة فاطمة الصويعي، لطالما كنت أحمل ضغينة تجاه أهالي الشرق، لأنهم السبب في فقدي لأبي وأخي ومنزلي الذي ترعرعت فيه منذ الصغر، الذي أصبح رماداً بسبب الطيران المسير، ولكن عندما رأيت حجم الكارثة وسمعت دموع الرجال وأصوات النساء وهم يستغيثون، شعرت بأن تقديم يد العون أمر مفروض وواجب على كل إنسان، متجاوزة أحقادي وكرست وقتي وجهدي وصفحاتي على التواصل الاجتماعي لجمع التبرعات لإخوتنا في درنة والبيضاء وسوسة.
وأكدت الصويعي، أنها أخت لكل مواطن ليبي وستقدم كل ما بوسعها لدعم واستقرار المدينة.
ويقول الحقوقي والناشط المدني علي عمر، إن التلاحم والتآخي الذي ظهر بعد إعصار دانيال والفيضانات المدمرة جعل الليبيين على قلب رجل واحد، فكل مواطن حاول الوقوف مع الضحايا ومساعدتهم بأي وسيلة ممكنة، وهذا السلوك الشجاع أدهش دول العالم.
وتابع عمر، أن الشعب الليبي شعب واحد وبيت واحد، ورغم محاولات السياسات الخارجية في تفرقتهم، إلا أن جهودها باءت بالفشل وستبقى ليبيا واحدة موحدة بسواعد رجالها.
وتم تداول مقطع صوتي عبر منصة تيك توك لمواطن من المنطقة الشرقية وصف فيه موقف القوة العسكرية التابعة للغرب بأنه موقف رجولي نابع من رجال أحرار قلوبهم على الوطن، رغم الدماء التي سالت والبيوت التي دمرت خلال حربهم في عام 2020.
وطالبت الناشطة المدنية عائشة إبراهيم بتشكيل فريق وطني متخصص في التعامل مع الأزمات والكوارث الطبيعية وتدريبهم على الإنقاذ وانتشال الجثت.