تمامًا كهذا النصّ..

تمامًا كهذا النصّ..

  • إيمان زياد

دون أن ينتبه أحد لغيابي, سأدخل مدار التطرّف، وألوذ بي من ذاتي إلى ذات مشتهاة..كحبّ فائق اللّذة، لم ينوّه إليه الزمان بعد.. وأعلم حينها جيّداً كم سنصير أعداء؛ أنا وذاتي، وأنا أهمّ هاجرة إياها بكل خسّة.. وأعلم أيضاً كم سأكون في عينها مدعاة للسخرية..مشجبًا تعلّق عليه تهمي وأخطائي .. لا بأس .. مرغمة سأحتمل عداوتها حتى تتقلّد جسدًا آخر ..

سأُقلع عن تعوّدي عليها.. تاركة لها ملامحي، نزقي، نزفي، ابتساماتي، جنتي المتخيّلة، أحبتي، ذاكرتي، معاركي التي لم أخضها، وآمالي الغبية..سأترك لها خيباتي وجرائمي المخفيّة والمعلنة..سأترك لها ظهرها الذي حفظتُه عن ظهر قلب..وبرودها أمام  رجائي..

لا أحمل لها ضغينة..تلاقينا مصادفة ..واضطررنا ببساطة للعيش معًا..

أقفل الباب خلفي، وأنا أجذب صوتي المخفي من بين أصابعها.. ودمعة تركتها في دفتر مورق بالألم على مائدة العشاء، نعم..يحدث أن يكون الألم مورقاً، أخضر، حيّاً ودالًاً على كلب وفيّ يعضّ قلبك حين يصاب بالنسيان، وهذا جيّد لأكتفي بقلب مخزّق..أجرى عليه السحَرَة تعويذاتهم ليصير غربالًا تتسرّب منه الروح.. حتى أغمض عينيّ على عظمة صمودي..واستسلامي الأخير..

سأدفنني في مقبرة العائلة؛ انتظاري..أسفي..واغترابي..

سأختار قبراً بشرفة ترى أثراً خفيفاً للخطى خارج الأسوار العالية.. وأسترق منها السمع لمراهق يغازل عبر الهاتف حلمه الأول..وقد أتمكّن هناك من اقتفاء انحناءة القمر حين تتوقف امرأة عن ممارسة الحب بيدين من طين، وقد أشهد بروز براعم السرو الذي يزفر أكسجين المكان..على صدر الأرض..وقد أصحو عند خروج زائر للمقبرة متوّهمة وجوده أصلا..

و ربما سأحاول مدّ كفي إلى داخلي أو خارجي..محاولة فتح الباب لطارق لم يطرق..ولا مقبض للباب أصلًا .. ولا ضوء في عيني لأراه .. وقد أصرخ سائلة إياه ..أأنت هنا..؟ فلا يجيب..كأنه سلّم  صوته المخفي لذات لا تأبه لمحاولات صموده العظيمة أيضاً.. ويتكفّل التّراب بفمي الخريفي… فيملؤه بحفنة ممزوجة برائحة ساكن سابق لذات القبر.. ووحوش منتصف اللّيل.. أولئك الذين يأخذون شكل نصوص ابتلعتها وسادتي في الماضي ولم أعد أتذكّرها..تمامًا كهذا النصّ..

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :