مايشبه ترسب التجارب والمعرفة
سعاد سالم
soadsalem.aut@gmail.com
كيف نتغلب على إدارة العنكبوت؟
تقول إحدى شخصيات مسلسل سيتُس (Suits) :
حلمي أن أغير القانون ، والطريق إلى ذلك هو ربح قضية مستعصية.
كنت منهمكة في محاولة العثور على ما أحتاجه من معلومات عن الهيئة العامة للصحافة، أعني هيكلها التنظيمي ،فعلى موقع الهيئة على الويب لن يمكن فرزه ولا بمجهر إلكتروني، إنما قادني غوغل إلى منصات قانونية ، وبعض المصادر الصحفية، التي لم تمكني من التأكد من أي معلومة فيما أحاول معرفة كيف يعمل هذا الجسد الذي أنا عالقة فيه، ولماذا يفرمنا ومنذ الأبد كما يخيل لي -لست وحدي- و يعطلنا عن الشعور بالسعادة، و بقيمة ما نحاول أن نجعله عملا، غير أن عدم قدرتي على الاعتماد على ما ظهر منها ، راكم ما وجدته حتى الآن من الغموض والتضارب،و يؤكد أمرا واحدا، هو استعصاء الفهم، بسبب غياب أو إخفاء المعلومات، ولعمري إن هذا هو داك اللي يوجع فيك أيتها البلاد.
بتقارنينا بهولندااااا (مع ضحكة ساخرة)
كم هى عبارة مبتذلة حينما تجري على لسان مسؤول، يجلس وراء طاولة ضخمة فيما يشبه مساحة شقتي في روتردام، مرتاحا لجلد الذات الذي يعفيه عن البحث وراء الهوة بين ليبيا و هولندا؟
و ما الذي فاتنا؟ أو ماذا فعلوا لتجنب كذا وكذا؟ وماذا عليَّ أن أفعل كرئيس للمكان؟ أليست هذه الطريقة الوحيدة التي تميز أصحاب الدخول
العالية والتي هى العبء الحقيقي على الميزانية العامة ، عن باقي عموم الناس ،وعن العاملين في إدارته على وجه الخصوص، مادام صاحب هذا الدخل، والامتيازات، يضحك ساخرا كما لو كان مواطنة/مواطنا، يستهلك
حياته في تلفيق ميزانيته الشخصية، إذاٌ ما هي مهمّات هذه الوظيفة المُكلفة؟ وفيما تنفعنا عقلية كسولة أو جبانة، لا تجرؤ على رفع مستوى الحلم وانتاجية المكان الذي ترأسه؟
سياسة؟ كنت مخطئة
كنت ومازلت أشبّه الهيئة بأنها شبكة عنكبوت، كلما الفرائس تحركت أكثر، كلما زادت محنتها وزاد نسيج العنكبوت حولها ضغطا.
أعتقدت فيما فات أن التشخيص الحقيقي لهذا الفشل المستمر في الحياة بليبيا لمن تحمل ويحمل جنسيتها وللهاربين إليها من بلدان اسوأ و للمضطرين لعبورها، إنما هى سياسة، ونظام سياسي ، وأسمي كما أغلب الناس كل مايعطل الخدمات الأساسية و يمس كرامتنا بالسياسة، ونتكلم عن كل مصالحنا المتعثرة على أنها سياسة، لذا نخوض مزيدا في هذا الذي نسميه سياسة، فيما السياسة أمر تخوضه الأحزاب وبرامجها، تخوضه الحكومة، والبرلمان، السياسة مهنة، لها سلم وظيفي ومسميات وظيفية، و بروتوكول، ومصالح وعلاقات، لا تخضع لمعايير وأخلاقيات مجتمع ما، ولا يمكن بأي حال، الحكم عليها بمعايير علاقات الناس ببعضها، لأنها وببساطة، علاقات كيانات اعتبارية ببعضها، والهدف الأساسي من هذه العلاقات هو المصالح المشتركة لما فيه فائدة كيانين أو أكثر، أقول هذا لأنه وبسبب هذا التفسير الخاطئ للمفاهيم العامة، نشأ سوء الفهم الذي أدى إلى كل هذه الاشتباكات و الاصطفافات التي تشعرنا بالاحباط من التغيير، لأنه وبصورة متعمدة وأنا متأكدة من ذلك ، أن التضليل اللغوي، هو الذي سمح بما يشبه سقوط المعنى الموحد للمفردة ،وجعله يبدو مفهوما مختلفا، رغم اشتراكنا في استخدامه مع آخرين، وهنا لا أعني المفردات التي أنتجها المجتمع (اللغوة) بل اللغة التي أنتجتها مجتمعات أخرى.
وإن لم تُحرف ترجمتها، حُرفت تطبيقاتها. مثال : الناس في ليبيا يقولون : ماتمشيش معانا الحرية/ الديمقراطية/ مانبوش أحزاب/ المجتمع المدني: عملاء/ العلمانية: إلحاد. وهكذا،
التشخيص الخاطئ يقود إلى علاج خاطئ ولابد.
لابأس، البلدان تنوض واطّيح
الهدف من الحياة، هو أن نتعلم من الخطأ، ومن الفشل، ومن السقوط، لأنه في المجتمعات التي تسيطر على لغتها مفردات تؤجل الحياة والمكافأة، وتحصيل الحقوق، إنما تغفل عن صناعة حياتها كما صنعها ومازال يصنعها الهولنديون، والتشخيص الصحيح للأزمة الليبية هى أنها تعاني من فساد في الهيكلية الإدارية وضعف المعايير إن وجدت، وهو شرخ عميق ويتسع ، إنه أصل كل الفوضى التي يُطلق عليها خطأً بالفوضى السياسية، وحين أقول أن التشخيص الحقيقي هو الإدارة الفاشلة إنما يعني ذلك، أن أساس التغيير هم نحن- الذين يروننا دهونا على الكبد- فيما عشش العنكبوت في هياكل الإدارات،وأن الطريقة الوحيدة التي ستعيد للوطن رشده، أن كل مؤسسة أو هيئة حكومية، يعدل العاملون بها على الهيكلية التنظيمية،و أن إداراتهم الضعيفة تشي بها، أشياء مثل: شعور الموظفين بعدم رغبتهم في العمل، وبالمرض، وبالتذمر، وعدم فهم آليات العمل و لا أهدافه، أو أنهم يتلقون التوبيخ ورسائل الخصم والإنذارات فيما لايتلقون شيئا عن انجازهم المميز، أو أن مكان العمل غير لائق، أو تكثر فيه المشاعر السلبية بين الزملاء، وأن الإدارة لا تهتم باقامة النشاطات، كلها مؤشرات على أن الإدارة التي نعمل بها غير كُفء، ومن مصلحتنا تغيير قوانين الإدارة أو تعديلها، وأن نجرؤ نحن على الحلم بالتغيير، لأن عقلية العنكبوت، تنتج شبكتها بهدف الصيد، ونظام محاك بهذه الطريقة سينتج ايضا قوانين انتخابات للبارعين في الصيد، ومشروع دستور بنيّة الصيد، ويتيح المراكز القيادة لنساجي شبكات الصيد،وهكذا تتداعى البنية التحتية للبلاد، ولن ينفع بعدها استخدام المفردات التي أخرجها نظام العنكبوت من سياقاتها،وهذا لن يحله غير معركة الموظفين مع البنى الهيكلية للمؤسسات، وسنرى وعلى المدى الطويل وبالهادي الله كيف تنحل المشاكل التي حتى الآن يعتقد أغلبنا أنها معقدة، وتحتاج إلى البرلمان أو الحكومة، أو إلى المخلّص لتنحل ، لأنه وبهذه العلاقة العكسية التي انتجتها مفردة واحدة (السياسة بدلا من الإدارة)،مكّنت الحواة من سرقة سلطة التغيير منّا، وعادت الدولة كما حالها القديم، تخدم العنكبوت، ولن يتغير الحال، إلا بالتفتيش في الهيكليات والقوانين،أي هدم بيت العنكبوت، لذا وجب البحث و بالفتّاشة عن مؤمن بحقه يقول:
حلمي أن أغير القانون ، والطريق إلى ذلك هو ربح قضية مستعصية.
_____ لن نعود للقيود.. وللوعد تتمة تحتاج لتني الركبة.