الكشف عمّا هو حميم

الكشف عمّا هو حميم

بقلم :: محمد الترهوني 
هناك كلمات ، ذكريات ، شخصيات ، أنحني لالتقاطها ، من الصعب عليَّ كتابة الطريقة التي أمد بها حزني لألتقط وجهك بكل ما يحمله من جمال يظهر في وجه العالم القبيح دفعة واحدة فأعترف أنا بكل سهولة أن للحياة طريقتها في التسامح معي ، عادة ما كان ترتيب التقاطي مفرطاً في فوضويته ، لم أتعلم التقاط صور الحياة بالشوكة والسكين ، كنت فقط أمد يدي لتصل إلى كل مكان في جسد الحياة العاري لأصل إلى تلك الأجزاء السيئة منه والتي لا تقل قساوة عن الموت نفسه ، لكن إذا تعلق الأمر بكِ أنتِ فيدي تشبه أحلامي لأنها بعيدة عن الارتجال ، تشبه نظرتي التي لا تخطئ عنوانا جميلا لكتاب يسكن الرف البعيد في مكتبة خالية من الحكمة ، لساني لا يتلعثم في الحديث عنكِ وينفي بطلاقة عن نفسه تهمة نسيان اسمكِ ، والدليل على ذلك التقاطه لكل كلمة تشير إليكِ بطريقة شخصية مفرطة في حزنها ، جمال الكلمات أنها تنظر إليكِ في كل مرة نظرة مختلفة من خلال صفحة بيضاء مختلفة ، حتى و أنتِ بعيدة هناك في الجيب الداخلي لسترة الحياة يمكن النظر إليكِ بطريقة رومانسية تلائم من يحاول سرقة الفرح من جيب التعاسة ، لهذا أسخر من الحديث عن الحياة كشيء نظيف وحسن التغليف ، الحياة تسرق منا أشياء كثيرة أهمها الحلول الوسط و الحب ، كسؤال الحياة نفسها أصغر من أن تكون الإجابة عنه ، دائما ليس هناك ما يكفي من الحياة لتنجح القصص الجميلة ، ليس هناك ما يكفي من الحياة ليكون الحبيب أو الحبيبة في الوقت المناسب ، في المكان المناسب ، والغريب أن الحياة تعتقد أن روعتها في هذه النسخ المملة للفراق والحزن والضياع والاختفاء غير المبرر لشباك واحد مفتوح يكفي لدخول نور الأمل ، أنا هنا بدونكِ أحاول إتلاف حياتي بشكل فظ ومضحك ، ومع ذلك وَلَهِي بكِ ما يزال أكبر من عملية الإتلاف المتعمدة ، أنا هنا بدونكِ أحاول تجنب نوبات غضبي من عدم قدرتي على الاعتناء بنفسي والتوقف عن الحوارات الحميمة مع الشغف و الرغبات المفرطة في كآبتها ، أنا هنا بالقرب من صوتكِ وهو يزداد جاذبية مع الأيام ، بالقرب من شعوركِ بالكسل بعد ممارسة الحب ، بالقرب من شعلة النار التي يطفئها لعابكِ برطوبة عذبة تمنع أوراق العمر من الذبول ، لا يمكن أن أكون في أي مكان غير هنا بالقرب من الضجيج الذي يحدثه حبي لكِ وتفكيري فيكِ ، هنا أقف عاريا تماما أمام كلماتهم التي لا يسندها شيء سوى حقدهم و كراهيتهم وبعض من غبائهم أمسك بيدكِ الدافئة وما أكتبه عنكِ يصنع غيمة تحميني من صدفة الشر وخرافة الخير الذي ينبت من جذر الشر ويتكلم بصوت غليظ يشبه ارتطام البول بأرض صلبة .لا أدري ما الذي يمكن أن أفعله عندما تفوح فجأة رائحتكِ في الهواء ، ولا كيف يمكن أن أفهم الليل من غير الشعور بأن أصابعكِ تسهر معي ، ما الذي أتوقعه من عالم لا ينظر إليكِ وأنتِ متكئة فيه على ظل الغد ، لم أفكر في الخط النحيل لكن المرعب الذي يسمى الوداع ، فكرت أن أضم شفتي و أنتظر لقاء آخر ، أن أغلق الباب على كلامتي التي تتسرب من عمق قلبي بصخرة لكن رذاذها كان يصل بطريقة ما إلى قلمي ، لماذا يصبح لون العالم رمادياً في غياب من نحب ؟ لماذا يتحول إلى غرفة نفتش فيها عن النوم ولا نجده ، عن كرسي يجلس عليه الصبر ولا نجد إلا الفراغ ، اللهفة إليكِ أكبر من رجوع النشوة مهزومة و الدموع على خديها ، أمشي ومعي ألمي منكِ ، من المدن الجميلة ، من المغامرات المدهشة ، من الموسيقى التي تبدد ذاتها بروعة في عيوننا ، من الأخطاء التافهة ، أمشي ومعي ألمي من كل مكان ، من كل زمان ، من كل شيء تم حرمانه من فتنة حضورك ، منذ أن بدأ التاريخ بكتابة كلماته وهو يتحدث عن بؤس هذه الإنسانية وترك لنا نحن الكتابة عن الخير والجمال و الحب ، هكذا تحول الكاتب إلى نكتة سيئة تقال في اللحظة التي يستعد فيها العالم للانتحار ، لكن الكتابة عنكِ شيء آخر ، الكتابة عنكِ تمنح العالم قيمته وتجعل من فكرة انتحاره نكتة سيئة ، نعم العالم وحشي ، وقاسٍ ، ومفرط في ابتذاله ، لكن بدون التفكير فيكِ والكتابة عنكِ سيكون أكثر من مجرد كارثة ، فنحن نكره الجحيم لكننا لا نسعى إلى إلغائه ، لأننا بإلغائه نلغي الجنة وهذا يعذب أكثر من نار الجحيم ، لذلك أنا لا أسعى لنسيانكِ أو حتى تجاهل الثرثرة عنكِ في كل وقت لأن عدم التقاطي لوجودكِ البعيد في كل لحظة يعني إلغاء الجحيم وإلغاء جنة حبي لكِ وتاريخ علاقتي بكِ ، ما يجعلني حزيناً في غيابكِ أكثر من غيره : هو فقداني لكبرياء الحب ، بلا الحب نشعر بترمل مستعار على الرغم من أنَّنا لم ندفن سوى عدم النجاح فيه ، ومن منا يسعى للنجاح فيه ؟ النجاح يطيح بهالة الحب ، نجاح الحب يعني الفشل في استمراره ، طريق النجاح في الحب يفضي إلى غرفة مظلمة تشتعل فيها شمعة واحدة إكراما لروح الحب ، الحب كالوطن والنصيحة بالخروج منه مؤلمة حتى لو كان هذا الوطن ميتاً ، لا يمكن التوقف عن البقاء في حبكِ لأنه ببساطة يكشف عما هو حميم في هذا الجحيم الذي نعيش فيه ، سأنحني في كل لحظة من لحظات حياتي لألتقط من علاقتي بكِ ما يجنبني الافتتان بالجنة أكثر من الجحيم .

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :