بقلم :: أحميد اعويدات
أسلفت سابقاً أنّ المذاهب الخمسة هي نتاج لفهم العقول البشرية لنص القرآن الكريم ،أو إعادة ترجمة كان مفروضاً لها أن تتماشى مع عصور من أنتجوها ،فكما كان ابن عباس و قد عرف في وقته بترجمان القرآن لكونه يترجم النص المقدس و يعيد صياغته الى واقع المعيشة انذاك ،هنا الآن نجد بيت القصيد في المعضلة الفقهية التي نعاني منها حيث تحجرت وتكلست و شلت أغلب الشعوب.
النص المقدس تحول بفعل الفهم القاصر لبعض “المشايخ و العلماء “إلى نص مقولب حسب الطلب ،يحمل بضعة معاني انحصرت لخدمة مصلحة الكاهن و الحاكم بشكل أساسي ،بل تحديداً مجرد كلمات تكلست على شاكلة فكرة متحجرة لا تتمرن مع الزمن تُقام لها نسك سلوكية و مظهرية تختلف من بلاد نجد الى مغرب المسلمين،و التي لا يمكن لآي كان مسها ،بل فقط من وضعها أو سيده و ولي أمره كما حصل في نجد من قيادة النساء ،أي أنها قابلة للتغير فقط من قبل من وضعوها إذا ما وجدوا أن فيها عوجًا قد يعرّيهم مستقبلاً.
المنظومة الفقهية القائمة حالياً تماثل نهج الكاثوليكي في أوروبا أواسط القرون الماضية ،و استأثرت النص الإسلامي وفقهه وأحاطته بهُبل الفكرة و الّات لمنتجه في منظومة محمية بهالة لاهوتية متحجرة ، فتلك العقول إذا تجاوزتهم الفكرة لجئوا مباشرة إلى التهمة ،وتهمة من يسائل هؤلاء هي الكُفر البواح ،لذلك نجد أن أولي العلم الذين تعسر عليهم فهم الفكرة و التفكير فيها و لو قليلاً يتجهون دائماً و مباشرة الى تهمة التكفير.
ولأن المقدس بذاته أصبح الصنم فهو نفسه كذلك الحل للإطاحة برأس بتلك الأفكار المتحجرة ،و من خلاله يمكننا الخروج من هذه المعضلة ؛ذلك مع الأخذ بعين الإعتبار تهمة الكفر والضلال كما سيوصف بها هذا الجيل من المستنيرين ،و التي يوصف بها كل من انتقد علماء اللحى وأحكامهم وانقص من الوهيتهم ،و هذا خير مثال على خوفهم من الفكر و إستخدام نعمة العقل.
نحن اليوم في امسّ الحاجة إلى حركة تحديثية للأجيال القادمة ,تشق طريقها في العلم والفقه لتجديده ،حركة تصنع جيلاً جديداً يمضغ تلك اللحوم المسمومة ويكسر قيود اللعنة التي صفّد بها ذلك النص بأفكارهم الفاسدة ،ويضع الإنسانية نصب عينيه ليقود من بعده أجيال تنير بعلمها الأرض ،جيل يتجرأ على النص و يزيح عباءة الوهم عنه ويكسر عنه الأغلال التي صُفدت بها معانيه في أزمنة سقوط الدين تحت ظلم الأنظمة الأصولية ،أزمنة طغت فيها نفايات هؤلاء على صوت العقل.
و اليوم يجب على جيل جديد أن يُدرك أن القرآن نص يحث على الاجتهاد فيه ،لا تبني القوالب الجاهزة المتوارثة من قبل هؤلاء و من على شاكلتهم .
ما نحتاجه هو جيل يدرك أن القرآن الذي وُصفَ فيه الإنسان بأنه خلق جهولًا هو بذاته النص الذي قدم له و أعطى الأمر للإنسان أن يتعلم و يجتهد فيه ” اقرأ “.
لا بد من بناء جيل يدرك جيدًا أن القرآن ليس نصًا تكفيريًا وأنه صلى الله عليه وسلم لم يخاطب في أي كلمة دعوية خطابية من دعواته الخالدة لأي قوم عرباً كانوا أم عجماً بالقول “يا كفرة ” هو القائد و المُعلم لمناهج العلم و الإنسانية ومتمم لمكارم الأخلاق والذي تعامل مع نص إله حكيم لا ريب فيه.
لا بد من هكذا جيل يستعيد طريق التقدم و يلملم ويقتفي ما لوقته وواقع حياته من علم ويترك ما ليس له ,مدركاً انّ هذه الاصنام الفقهية يجب انهاء سلطنها على عقول هذه الشعوب و ازاحتها من كامل المشهد , كل انسان قابل لان يخطئ وهذا ليس معيباً ,كلنا يؤخذ منّا و يرد علينا لا أحد فوق النقد أو محمي منه ,الا صاحب ذلك القبر عليه أفضل الصلاة و السلام.