حارس الضريح

حارس الضريح

على جمعة إسبيق

عندما قررت أن أهجر هذا العالم، شيء ما شدني للتحدث مع رجل غريب، يجلس طوال اليوم يحرس ضريحا، لا يعرف صاحبه، وقفت عند رأسه، قبل أن أفتح فمي، بدأ يسرد قصة حياته:

أحرس هذا القبر منذ عقود مضت ، لقد كنت وحيد أبي وأمي ، لقد حضيت بكل أشكال الرفاهية ليس لأني وحيد أهلي فقط ، بل لأنهم كانوا يقولون لي: بأنني نابغة ، أذكى ولد على الإطلاق ، كذلك كنت وسيما جدا، أحب الاعتناء بأناقتي ، حين كنت فتى يافعا ، تحصلت في شهادة الثانوية العامة على مجموع مائة بالمائة ، عندها جاء قرار تجنيد الشباب إلزاميا ، لقد تعرضت لصدمة نفسية كبيرة ، فصديق عمري الكسول لم يجند لأن والده كان يعرف شخصا له تأثيره في الدولة ، فتمكن من الإفلات ، بينما حاول أهلي بكافة الطرق أن يجدو مبررا لتخليصي ، كنت تواقا لدراسة علم الذرة ، مولعا بالعلوم والرياضيات والكيمياء ، حتى أنني ابتكرت أشياء كثيرة في بيتنا ذهل منها الجميع ، الهزة النفسية أثرت على قواي العقلية ، دخلت على إثرها لمستشفى الأمراض النفسية ، لأكتسب لقب ، ( المكلوب ) ، هكذا صار يناديني الجميع ، مات والداي في حادث سير وهما في طريقهما لزيارتي في المستشفى ، عندما خرجت ، جئت لهذا المكان ، وجدت شيخا يحرس الضريح ، بقيت معه لكنه سرعان ما غادرني وذهب إلى العالم الآخر ، وها أنت أتيت لتسألني اليوم عن نفسي ،

_بالمناسبة تبدو غريبا عن المنطقة من أنت؟

__ أنا مثلك، جئت هنا هاربا؟

_من التجنيد؟

__ربما، لكنه تجنيدا من نوع آخر، لقد تركت كل ما أحب فعله، لألهث وراء حياة تشبه كثيرا المعسكر، من أزمة لأختها، هكذا حياة لا تناسبني، ليست لي، بالتأكيد ليست كذلك

_هل أطلقوا عليك صفة الجنون؟

__ كيف عرفت؟

_حسنا يبدو أنك الحارس الجديد لهذا الضريح يا بني.

قام الرجل من على (البلكة) التي كان يجلس عليها، جلست مكانه، سحبت سيجارة من علبته، دخل لينام في غرفة الضريح، بينما واصلت أنا التهام السجائر على طريقته.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :