حبكِ سياسة

حبكِ سياسة

بقلم :: محمد الترهوني

حبكِ يجعل السياسة كروية ، تنتقل بي من طرف في السلطة إلى مُعارِض منخرط بجدية في نضال ثوري ضد نفسه ، علىَّ كي أكونَ حبيبكِ أن أستعد لمغامرة لم أمارسها من قبل ، عليَّ أن أجعل من قلبكِ حليفاً قوياً في الانتخابات المقبلة على قلبكِ ، لا يهم إن كنتُ سأدخل هذه الانتخابات كمستقلٍّ أو ضمن قائمة مفتوحي العيون على ما فيكِ من جمال ، عليَّ أن أضع الدعاية في المكان الذي يلائمها ، هناك .. قريبًا من الصور التي تلخص حياتي وحياتكِ ، صور واضحة لغسق حزين ، للآلام التي وضعتْنا على الطريق المنحني لكن الصحيح ، نعم هناك .. قريبا من حديثنا عن الوقت المتأخر من الحياة والذي نستغني فيه عن الشكل الجميل و عن تعويضه بكفاءة الإغراء والقدرة على صناعة الذوق الجميل مع بعض الاستمتاع بالنرجسية دون خجل أو وسواس ، قرأتُ مرة أن على السياسي أن يجهز على خصومه بغير كلام ، السياسي يجب أن يؤمن بأنه على حق ، عليه أن يكون مستعداً لأن يكون الضحية وألّا يمانع في أن يكون الجلاد ، الشخص التافه فقط الذي يقول : ” لاشيء لي ، لا شيء مني ” ، لكي تكون مصلحاً سياسياً يجب أن تقف في صف الجريمة ، وأن تستعد لرمي عقب سيجارتك لتحرق العالم بعد أن تكون سكبت عليه البنزين اللازم ، أنا لا أريد إصلاحك ، لا أريد تغييركِ ، لا أفكر في تغيير الملكية التي تسكن عيونكِ إلى جمهورية ، لكنني لن أكون معكِ ديمقراطياً، فحريتكِ مخربة ، لقد بحثت عنكِ بعنف ، كان على حبي أن يشق طريقه إليكِ بالقوة ، لهذا لن أرضى أن يكون قلبكِ مكاناً لحقوق الإنسان والمواطنة، لن أتعايش بشكل سلمي مع كل من يقترب منكِ ، أنتِ بالنسبة لي أمة ووطن ، لن أسمع أصوات مشاعر شعبكِ ولا الشكوى الممتزجة بالشتائم والتي غالبا ما تنتهي بكلمات غير مفهومة ، إذا تعلق الأمر بحبكِ أنتِ فالديمقراطية مجرد خرافة ، مجرد كلام عاطفي ورثاء في موعظة دينية ، أتمنى لو نفتح أنا وأنتِ صالوناً نتحدث فيه عن سياسة الحب ، سياسة تشبه سياسة والدي تماما ، سأحكي لكِ فيه عن اليوم الذي عرف فيه والدي أني أدخن ، كنتُ أنتظر ردة فعله لأيام ، كم تمنيتُ في تلك اللحظة لو كان عبدالله يدخن ، على الأقل كان سيعرف متعة أن تكون في يدك سيجارة تنفخ دخانها بدل الكلام ، في عالم تدرك وأنت صغير أنه عالم يعيد تمثيل المشهد المفزع للموت ليس أمامك سوى أن تجعل من دخانك مزماراً يعزف لحناً حزيناً و ساخراً ، لكن والدي لم يدخن سيجارة واحدة في حياته ، لم يكن يفهم أن قبول العالم بعد أول سيجارة ليس هو رفضه بعد آخر دائرة من دخان تنفثها في وجهه ، كان عليَّ أن أنتظر العقاب بشجاعة المحارب ، وبعد أيام وعند خروجي للمدرسة طلب أن أنتظره ، قلت في نفسي ليس من السياسة في شيء أن يكون التوبيخ على الريق، لا أريد أن أشنق بكلماته في هذا الوقت بالذات ، لماذا لا يختار موعداً آخر ، قبل النوم بقليل مثلا ، لكنه وبعد أن لبس ثيابه أشار بأن أتبعه ، وعندما وصلنا إلى نهاية الشارع دخل محل العم يوسف وقال له :” سيمرُّ عليك محمد كل صباح جهز له علبة سجائر وأعطِها له ” ، نظر إليَّ العم يوسف بنظرة لها بُعد أخلاقي ، نظرتُ إلى والدي وأخبرته أني لا أقبل هذا ولن أمر على العم يوسف فقال : يا محمد أنت تدخن ، وبما أني مسؤول عن مصروفك فسيكون ثمن السجائر من ضمنها ولا يهم إذا كنت سوف أَقتطِعها من مصروف أخوتِك ، أنت لا تبالي ، وغير مكترث ولا تهتم فماذا تريدني أن أفعل ، قلت بكل بساطة سأتوقف عن التدخين وهذا ما حدث ، ثمان سنوات بعد هذه اللحظة لم أدخن فيها سيجارة واحدة ، والدي كان سياسي من طراز رفيع يستخدم معنى الديمقراطية بكل جمالها ليصل في النهاية لجعلنا نحن أنفسنا نمارس الدكتاتورية على أنفسنا ، والغريب أنكِ تستخدمين معي نفس السياسة .على كل الرجال الذين لم يجربوا ديمقراطيتكِ أن يحذروا ، الحرية في حبكِ يمكن التخلِّي عنها ، كل من أحبكِ قبلي عرف أنها فارغة من مضمونها ومصابة بالإرهاق ، كم أحب نظرتكِ التي تشبه نظرة أبي وهو يقول افعل ما تشاء ، والمقصود هو إذا فعلت شيئاً سوف أذبحك ، كم أحب طغيانكِ الذي يرفض كل شراكة مع الغير ، لقد تحول الحب معكِ إلى مقولة سياسية ترفض التقليدي ، ترفض الطيبة ، ترفض الضعف ، ترفض الخوف ، وتقبل فقط الجريمة وعدم الشفافية وبعض الكلمات غير المستعملة إلا في قاموسها ، امنحيني بعض الرضى عن عذابي لأشرح لكِ كيف كنتُ أدون كلماتكِ في دفتري حتى قبل أن أسمع صوتكِ ، وكيف كنتُ أفضح نفسي أمامكِ حتى قبل ان أقترف أيّاً من نزواتي ، كنت أعرف أني سأحب امرأة مثلكِ تعشق الأسئلة وتكره الإجابات المزيفة ، تشبثتُ بوجودكِ حتى قبل أن أراكِ ولهذا كتبت دائما عمّا هو أكثر سرية في طبيعة الإنسان ، السر لا يجعل حياتنا أفضل ، السر مجرد وهم بأننا أفلتنا من العقاب ، الناس لا تقترب من بعضها البعض من أجل كتمان أسرارها ، بل لفضح هذه الاسرار ، فالفضائح موزعة بالتساوي بين الناس ففي الحياة حظوظ الخطأ متوفرة بكثرة ، بعض الحب يحتاج لدقائق فقط لفهم أسبابه ونظام الحكم الذي يجب اتباعه فيه ، رئاسي أو برلماني ، وبعض الحب يحتاج إلى سياسة الحياة بكاملها ، أنتِ امبراطورية جديدة لا أسمح فيها لمخاوفي أن تفسد ابتسامتكِ ، فأنتِ المكان الوحيد الذي أجد فيه اليأس ليس أكثر من عمل إبداعي ، لن أرفض أبدا قوانينكِ التي تجعلني أفخر بعذابي في حبكِ ، لن أفكر في الانقلاب عليكِ ، لن أوزع منشورات ضدكِ ، لن أطالب بحريتي ، سأقبل كل الأساطير التي تحكى عنكِ دون تمحيص ، لا يمكن أن أفكر بأني في بلد آخر منفيا بعيدا عنكِ ، أخاف أن تعاقبينني بعقاب يشبه عقاب والدي فيمنعني العالم من حبكِ ، لم يكن حبكِ في أي لحظة صادر عن حاجة اضطرارية ، كان حبك بالنسبة لي دائما بديهي وله أسباب وجيهة ، لكنكِ لم تكوني هناك ، تخيلت أني ولدت قبل الأوان أو بعد الأوان لهذا لن أراكِ أبدا ، لكن وهذا أمر يستحق الملاحظة أننا عندما نتوقف عن أن نُحِب نقبل أن نُحَب من شخص كنا في انتظاره وأصبحنا من أجله صالحين لأي شيء مهما كان ، أنا وأنتِ لنا سياسة خاصة تنظم ملذات الحياة ، تنظم الرغبة ، وتنظم سيطرة المتعة ، أنا وأنتِ نعيش في دولة كل شيء فيها ممنوع ما لم يتم القيام به بشهوة عارمة ، دولة تم فيها الإطاحة بالسلطة الاستبدادية والرجعية التي تجعل الناس متساويين في البؤس والألم ولا يعرفون سوى الكراهية والحقد ، دعينا نفتح أنا وأنتِ صالوناً نعلم فيه الناس سياسة عدم الرضى بالمتع الصغيرة ، أحبكِ فيه ونستمتع بالكلام عن ربط اللذة الجسدية ببعض الأفكار المتعاطفة مع البروليتاريا لكن بشكل أدبي قد يتحول إلى نص .

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :