بقلم :: عبد الرحمن جماعة
قديماً قالوا: “اعرف ولدك من منشوراته على الفيسبوك”!
هو ليس قديماً.. ولكن بدل أن تبحث عن أصدقاء إبنك وتحاول اكتشاف خبايا عقولهم، وتفتش في زوايا نفوسهم، فما عليك سوى الدخول إلى صفحة إبنك وستجده هو وكل رفاقه.. وعلى حقيقتهم.
ولكي أوفر عليك الجهد.. فها أنا أعطيك عينة من منشورات شعب إبنك بأكمله، ويكفيك فقط أن تعرف بأن إبنك (تابع مش بادع)!
..
عندما تتجول في الصفحة الرئيسية للفيس بوك تصبح مشاعرك مثل الزقزاق، وتتحول تعابير وجهك كممثل بارع ينتقل من الحزن إلى الفرح في رمشة عين..
أول منشور: توفي عمي الحاج فلان بن فلان ووالد فلان وأخو فلان عن عمر ناهز التسعين بعد صراع مع المرض لم يمهله طويلاً.
مشاعر الحزن تجعلك تمر على المنشور دون أن تستوقفك عبارة: “لم يمهله طويلاً”، ولا تدري كيف تفسر المهلة المطلوبة بعد أكثر من تسعين عاماً، وما هي الأعمال التي سينجزها المرحوم في التسعينيات من عمره لو أعطي المهلة المطلوبة.
كدت أن أعلق: “اجعنها مهلة كل حبيب” .. لكنني خفت!
..
ما علينا..
قول يا سيدي خرجت من هذا المنشور بعد أن نسخت تعزية أحدهم وألصقتها، لأن التعازي كلها متكررة وصاحب المنشور لن يفطن إلى الموضوع (copy-paste).
..
المنشور التالي عبارة عن صورة لسفرة فيها ما لذَّ وطاب، تُقلب عينيك في كل أنحاء السفرة مع استجابة اللعاب وصوت التمطق، ولكن قبل أن تُغادر المنشور تُلفت انتباهك قدم صاحبة المنشور بمحاذاة السفرة، ظهرت في الصورة عن غفلة أو تعمد، لكن مع وجود الحناء الشديدة السواد والحديثة العهد يجعل من القضية أقرب إلى العمد منها إلى الخطأ والنسيان، وأن المقصود من الصورة أصلاً ليس ما بداخل السفرة، وإنما ما بجوارها!.
..
أيضاً ما علينا..
بعدها يطالعنا أحد المسؤولين من صفحته بمنشور ديني؛ آيات من الذكر الحكيم، أو مقتطفات من حديث شريف، أو موعظة عن الموت.. دعواتك يا شيخ!
وهذه ليست غريبة أو عجيبة، فقد قيل إن السارق في مصر عندما يخرج لأداء وظيفته يقول: “يا فتاح يا عليم، يا رزاق يا كريم”.
لكن العجيب والغريب حقاً هو آلاف الاعجابات والتعليقات للمتأثرين بموعظة هذا “البزقلليف”.
ذات مرة وأنا أتجول في هذه التعليقات ضبطت أحدهم (وقد كنت أحترمه وأجله)، وهو من أشد منتقدي هذا المسؤول وكان يتهمه بكل أنواع الموبقات.
لم أفعل شيئاً لكنه (سقط من عيني)..
هو لن يشعر بألم السقوط من عيني لأنه بكل بساطة قد وقع في عين المسؤول.. وعلى أريكته!.
وهذا الموقف في حد ذاته يجعلك تراجع أصول (ميكيافيللي).. فلعل نسبه يرجع إلى (التحنو) أو (المشواش).
منشورات الكرة مثل الشجاعة تحضر وتغيب، أو لنقل: تتواجد تبعاً للمباريات المهمة، أذكر أنني علقت ذات يوم على منشور لمباراة بين اثنين من أشهر وأقدم الأندية في ليبيا، فشتمني أحدهم، فقلت: “يا بني أنا لا علاقة لي بنادييك، ففي حياتي لم أشجع سوى نادي (الشرارة)!
..
هذا عن الـ10% من المنشورات..
أما التسعون بالمئة الباقية فهي عن السياسة، أو عن الصراع الدائر بين أبناء الوطن الواحد، والذي لا أدري هل يمكن وصفه بأنه صراع سياسي؟
الغريب في هذا الصراع أن الكل يدَّعي وصلاً بليلى، وليلى ولا على بالها.
إلى هنا سأتوقف حتى لا أتورط في كلام قد يرميني خارج نطاق تغطية ليلى!.
………………………
– (التحنو) و(المشواش) بالاضافة إلى (الليبو)= من أقدم القبائل الليبية.
– (بزقلليف) = قهدي.