فوزي منصوري
كثيرا ما يعلو الصمت على هامات المترجلين في مرافئ رحلة البحث عن خصب الروح فتسعفهم قمة على الأرض تطل على نبتة شهدت ميلاد التاريخ.
تصدير: إلى أمي ومثلها
لأني أرى ما تحت نعليك جنة
جعلت شعوري في هواك شعائرا
وأودعت قلبي في ثراك قصائد
لتسقيه إن جفت رؤاه مشاعرا
أحبك لم أسأل لماذا ولا متى
ولا كيف إلا إنني صرت شاعرا
فيا من له قلب جديد متيم
تطهر بهذا العشق تلقاك طاهرا
تطوف به سبعا وسبعا تطوعا
وإلا فقد أخزيت عمرك كافرا
****
هلا أتاك حديث الثلج في بلدي
عن عاقر* ولدت عن والد الولد
عن جده قال قالت جدتي لأبي
إن لم تكن مؤمنا فاسأل به جسدي
ينبيك لوني وشكل الجرح في شفتي
عن قصة وارتجاف اللفظ في غددي
حملت وجهي على أقتاب عاصفة
وقلت للثلج كن بردا على بردي
سافرت يا ابني هواك العذب يسبقني
يمناي والناقة العرجاء معتمدي
بيتي ومقلاع حلفائي وأمنية
حطت على كتفي المشدود للوتد
سافرت يا ابني ينيخ القحط راحلتي
بين الكهوف بجوف الصخر والثمد
كنملة أثمل التطواف خطوتها
تغدو قطيعا وتمسي شأن منفرد
أقلب الشق في كعبي وأصلبه
على قيامي وهذا منتهى جلدي
رسمت لي في فجاج الأرض كم لغة
تبقى وإن أفلس التاريخ للأبد
قد صرت يا ابني على أعجاز ذاكرتي
ما بين موتين لو يروي الثرى مددي
أنا التي قد وهبت الليل منعرجا
للضوء يغشاه خيط الفجر من رمدي
وصغت من نتف الحلفاء أعمدة الـــــ
ــعروش فارتد سقف العرش عن عمد
أهدي جراح يدي لوحا لممتدح
ولا أرى قلما يجري بمدح يدي
يا حاملا جثة التاريخ في كفن
من ياسمين إلى كتابك الجدد
ماذا كتبت وتدري أن سنبلة
في الأرض كانت برغم القحط من جهدي
ماذا قرأت وفي كفيك رائحة
من الكتاب الذي مقلاعه بيدي
أمسك دع الثلج يحكي لا تقل كذبت
آثار نحس على وجهي بلا عدد
سيزيف أكبر من إصراره عبثا
يدحرج الصخر لا يجني على أحد
وعشت أحفر تاريخا على جسدي
للآن عجفاؤه تقتات من كبدي
مازال لي من حديث الثلج أمنية
رصدتها ذات عشق غير متقد
وكنت صليت في محراب أدعيتي
عند المخاض إلاهي فلتكن سندي
أرضعتك الشمس يا ابني لا تكن رمدا
على العيون وكن خيطا لفجر غد
وكن كتابا تضيء الكون هامته
فوق التواريخ لا زادا لمنتقدي
لعل جرحا بغور الروح ما اعترفت
به المشاعر يشفي غيض ملتحدي
وإن للشعر أطفال قد احترفوا
نسج الحصير وأرخو خمرة اللبد
آنست عمرا وإن عانقت أرذله
أقصاه في غيب لوحي غير مبتعد
إني وإن كنت ضيعت المنى شتتا
قد صنت ما أستطيع اليوم في خلدي
يكفي أموت وتبقى الأرض تذكرني
قد أخصبت عاقر* من وطأة البرد
*هامش: إشارة إلى المثل الشعبي القائل ” صقع أو برد مشمر يضني العقر” للتعبير عن شدة البرد.