حـروب هـلال الـنـفـط فـي سـمـاء الـوطـن الـمـظـلـمـة.

حـروب هـلال الـنـفـط فـي سـمـاء الـوطـن الـمـظـلـمـة.

بقلم :: محمد بعيو 
أكتب هذا التحليل دون انتظار لنتائج المعارك الدائرة في محيط الحقول والموانيء النفطية، فلستُ من الذين تدور أعراف مواقفهم بدوران أهوائهم مع اتجاه رياح الربيع المتقلبة، ولا من الذين يرتكبون فضيلة الصمت زوراً في مقام الكلام، فما حدث اليوم هو جولة جديدة في الحرب العبثية التي تستهدف ليس الإمساك بالمنطقة الرخوة عسكرياً التي يستحيل الإمساك بها دون المغامرة بتدمير مكوناتها، وتحويلها من حقولٍ وموانيء للنفط الذي هو الحياة لهذا البلد الصحراوي البائس إلى حقولٍ للموت وموانيء للفقر، بل تهدف من طرف الغازين الذين يطبقون مبدأ إضرب واهرب إلى نشر الفوضى والخراب على طريقة شمشون الذي هدم المعبد عليه وعلى أعدائه، وهؤلاء المقاتلين المقتولين ليسوا هم أصحاب المشروع وإلا لكان ممكناً فهم دوافعهم وربما تفهم قضيتهم، بل هم مجرد ناقمين يسعون للانتقام وهذا يمكن فهمه وفق التحليل النفسي، لكن في التحليل السياسي لا مناص من الذهاب بعيداً للتفتيش بهدوء وعمق خلف أستار المشاريع وفي دهاليز العواصم، غير أن الكارثة الوطنية الكبرى عدا كارثة إراق دماء ليبية ما كان لها أن تُراق بهذا النحر الذي هو في حقيقته انتحار، هي اتخاذ مرافق استخراج وتصدير النفط التي هي ملك الليبيين ومكمن وجودهم ومصدر معيشتهم، رهائن في صراع عبثي إسمه الوهمي سياسي وحقيقته الفعلية إجرامية بين أطرافٍ اختارت الحوار بالنار فنجت منها بالإقامة في فنادق ومنتجعات العواصم، وتركت الليبيين فريسةً لها دون ان تبالي بعذاباتهم التي تزداد طردياً مع تناقص الانتماء الوطني لشخوص سلطات الأمر الواقع جميعها، التي انتهت شرعيتها، ولم توجد لها يوماً أي مشروعية ترتبط بالإنجاز، إلا إذا كان مجرد البقاء بطراً وعناداً هو الإنجاز.
لا يحتاج الإنسان العاقل الموضوعي، الذي لم تتحطم بوصلته وسط عواصف الغرور، ولم يفقد اتجاهه بسبب دخان العناد، إلى ذاكرةٍ جبارة ليتذكر ويستعيد وقائعَ لم تمر على أُولاها إلاّ أربعون شهراً، حين أوقف المدعو إبراهيم جضران تصدير النفط لمدة تزيد عن ثمانية أشهر، حارماً بنزوةٍ شخصية وبتعليمات خارجية خزانة لـــيـبـيـــا من عشرات مليارات الدولارات، وقت طفرة أسعار النفط التي لن تتكرر في زمنٍ قريب، مستدرجاً داعش من وكرها في سرت لتدمر خزانات السدرة ورأس لانوف، وتحوّل المنطقة النفطية السكنية الاقتصادية المزدهرة قاعاً صفصفا، خلا من الإنسان وعمرته البوم والغربان، ولم تمر على أُخراها إلا أقل من سته أشهر حين استعاد الجيش الموانيْ والمرافق التصديرية، وأعادها إلى المؤسسة الوطنية للنفط، التي أعادتها إلى العمل والتصدير في زمن قياسي كان يجب الافتخار به كمعجزةٍ بكل المقاييس، وتكريم الرجال الذين أنجزوه، لولا أبواق السوء والعقول الخربة التي رأت أن التنازع المزعوم بين مصطفى صنع الله وناجي المغربي {وكلاهما ليس محل طعن في وطنيته وكفاءته} أكثر أهميةً من التوافق الوطني الشامل على قيمة الوطن ومقام الوطنيين وتحييد الثروة الوطنية عن الأجندات والصراعات، ويومها قلت وكتبت إن تحصين هذا الواقع الإيجابي والذي لابد منه لن يتحقق بالانحدار إلى هذا الدرك السلبي من طرف المتصارعين سياسياً في مجلسي النواب والرئاسي، والمتنازعين مناطقياً لا منطقياً في شرق الوطن وغربه، وأن الجغرافيا الطبيعية المفتوحة بلا موانع ستكون أكثر رخاوةً وأشد ضعفاً في ظل جغرافيا الصراع السياسي المفتوحة على حضيض الخيانات البغيضة، والجهالات والأنانيات المريضة، وأنّ جولات الصراع وعض الأصابع على حساب الوطن وثرواته وأهله ستستمر حتى يصرخ طرف وقد لا يصرخ أبداً، فالوطن هو الذي يصرخ ويستنجد من جور الوجع، لكن دون سامع مجيب ولا منقذٍ قريب.
إنّ هجوم اليوم الجمعة {ولست أدري سر الإصرار المؤدلج المتكرر على تحويل يوم مباركٍ إلى يوم للدم} هو رجع صدى طبيعي لنداءات التأجيج التي تصاعدت في اليومين الماضيين من طــرابــلــس حيث خلط [الدالين] الدين والدم صار طقساً مقدساً من طقوس الكهانة في معبد التأويل، وحيث عبث الرئاسي الطائر بين العواصم، الفاقد لأي وجود في عاصمة البلاد تجاوز كل حدود المعقول والمقبول،،، ومن طــبــرق حيث مناورات رئيس مجلس النواب في تشكيل لجنة الحوار، وإضاعة الوقت القاتل للوطن المقتول فاقت كل تصور وكل توقع وكل منطق، ومن بــنــغــازي حيث تم استغلال حادثة إدارية بسيطة وقعت في المصرف المركزي نتجت عن فساد موظف في تأجيج روح الانفصال ودعوات التصعيد، ليلتقي المتطرفون في كلا الطرفين ويتقاطعون في نقطة الانفجار.
لا يقولنَّ أحدٌ إنني أُساوي بين الظالم والمظلوم، ولا بين المعتدي والمعتدى عليه، ولا ألبس الحق بالباطل، ولا أحاول الاختباء خلف الأصابع، أو تغطية عين شمس الحقيقة بغربال المجاملات والممالآت، لا والله .. ففي صراعات الفتنة بين أهل الوطن الواحد، والدين الجامع، والرحم المختلط، والحال والمآل والمصير، تكثر المشتبهات، ويصبح الرمادي سيد ألوان الفهم، مثلما الأسود هو لون الواقع، لكنني أخاطب قلوباً ليست عليها أقفالٌ أوصدت أبوابها، وعقولاً لم يرِن عليها الكبر أضاع صوابها، أخاطب أهلاً كراماً :- أن تـعـالـوا إلـى كـلـمـة سـواء، هـي الـحـوار الـوطـنـي الـلـيـبـي الـحـقـيـقـي، فـي واحـةٍ أو مـديـنـةٍ لـيـبـيـة عـلـى بـسـاطٍ أحـمـدي لـيـبـي، وبـأجـنـدةٍ وطـنـيـة حـقـيـقـيـة، وبـمـشـروع سـيـاسـي مـتـكـامـل لا عـلاقـة لـه بـأكاذيـب الـتـمـكـن الـعـسـكـري ولا بـأوهـام الـتـمـكـيـن الإسـلامـوي.. أو سـيـكـون الآتـي أسـوأ أسـوأ، لـيـس فـقـط عـلـى مـسـتـوى الـمـعـيـشـة والأمـان والاسـتـقـرار، بـل عـلـى وجـود الـوطـن ذاتـه، ويـومـهـا سـنـنـدم جـمـيـعـاً لاتَ سـاعـةَ مَـنـدم.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :