ما بين نظرة المجتمع الدونية ونقص الخدمات المقدمة
فسانيا : منى توكا.
يعاني ذوو الاحتياجات الخاصة في بعض الأحيان من تصنيف اجتماعي يستند إلى مفاهيم عامة خاطئة حول طبيعتهم و قدراتهم، بينما يتعين على الحكومات العمل من أجل التغلب على الحواجز الاجتماعية، والمادية، والبنية التحتية التي تمنع المعوقين من الحصول على التعليم، والرعاية الصحية، والفرص الاقتصادية ، والمساهمة الإيجابية في مجتمعهم بما يتوافق و القدرات الصحية والجسدية لهذه الفئة.
بينما على جانب آخر تظهر عدة عوامل تزيد من معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة في الجنوب الليبي بسبب جهل العائلات في كيفية التعامل معهم، وتنمّر المجتمع عليهم، وحرمانهم من أبسط حقوق التعلم والتنقل والعمل، وصولاً إلى القوانين المثالية التي تبقى حبراً على ورق ولا يطبّق من موادها إلا القليل.
ومع ذلك البعض من ذوي الاحتياجات الخاصة، يستسلم لواقعه، في حين أن فئة أخرى تنطلق صوب الحياة والتعلم ومراكمة الخبرات، وبرهنة أن الإعاقة الجسدية لا تقف أمام تطوّر العقل وتنميته بالعلم والكفاح والإرادة الصلبة.
تهميش وقصور
ويرى مفتاح أحمد معتوق (29 سنة ) ـ يعاني من إعاقة حركية- أن ذوي الإعاقة في الجنوب يستحقون اهتماما أكثر من الدولة والمجتمع من جميع النواحي من حيث التعليم واندماجهم في المجتمع وتوفير سبل الوصول للأماكن العامة وتوفير بيئة مناسبة لهم من حيث سهولة الوصول إلى أي مكان يريدونه، موضحاً أنه في الحقيقة يوجد تهميش وإهمال من الدولة للمعاقين بالجنوب عكس ذوي الإعاقة في المنطقة الغربية أو الشرقية حيث يرى أنه تتوفر لهم الخدمات وجميع الوسائل التي يحتاجونها.
أما من جانب الصعوبات يقول أولها صعوبة الوصول للمرافق العامة إذ يجب توفير ممر أو منحدر ليصعد عليه المعاق بالكرسي المتحرك والوصول لأي مكان خاصة المراكز الخدمية والحكومة و الحدائق و الساحات.
ويرى أنه توجد صعوبات لفئة ذوي الإعاقة من حيث اندماجهم مع الأشخاص الأسوياء حيث يستذكر في فترة دراسته في الكلية أنه واجه صعوبات من حيث القاعات الدراسية المخصصة و ممر لدخول الكرسي، مشيراً إلى أنه لم يكن يحضر دروسه بالجامعة بسبب أنها في قاعات الدور الثاني من المبنى ولا يوجد مصعد بالمبنى.
ويقول معتوق إنه عمل مع جمعية الأصدقاء للأشخاص ذوي الإعاقة وهي جمعية خيرية تضم فئة ذوي الإعاقة الحركية و البصرية مقرها المجلس المحلي الثانوية. منوهاً إلى أن الجمعية عملت على توفير ممرات و منحدرات لسهولة الوصول لبعض الأماكن في سبها كالمجلس البلدي -الصحة المدرسية- نادي القرضابية- بيت الثقافة، مطالباً المسؤولين بتوفير مركز تأهيل متكامل بكامل الاحتياجات يضم جميع ذوي الإعاقة بالإضافة إلى وسائل النقل العامة و تسهيل إجراءات سفر المعاق وتخفيض التكاليف حيث ذكر أن الدولة حددت قانون تخفيض في وسائل النقل العامة الطيران أو الحافلة لفئة المعاقين.
وأشار إلى أن المعدات الخاصة بذوي الإعاقة في الجنوب رديئة خاصة الكرسي المتحرك مطالباً المعنيين في صندوق التضامن الاجتماعي بتوفير نوعية ممتازة من الكراسي المتحركة.
وناشد الهيئة العامة لصندوق التضامن الاجتماعي بعدم التأخر في صرف المعاشات وزيادة قيمة المعاش الأساسي ورفعها التي لا تكفي لسد احتياجات المعاق من أدوية وعلاجات.
فيما يصف الإعلامي وعضو بالمجلس البلدي بوادي عتبة عبدالله السعيدي أن وضع ذوي الاحتياجات الخاصة في الجنوب مرير إلى حد كبير بالرغم من أن هذه الفئة لها نجاحات مقارنة بمن في الشمال إذ يعتبر السعيدي أن المكفوفين في المنطقة الجنوبية مندمجون أكثر في الحياة الاجتماعية مقارنة بغيرهم.
عقبات وتحديات
وعن الصعوبات يقول السعيدي- الذي يعاني من إعاقة بصرية- إن القانون الليبي ينص على دمج أصحاب ذوي الإعاقة بنسبة 5٪ في مجالات العمل ولم يتفعل إلى الآن، ويتابع أنه في التعليم لا توجد مدارس خاصة بهم فالأمر متروك لهم إن أراد التعلم في المدارس الخاصة أو أن يبقى بلا تعليم. مشيراً إلى أن بعض الإعاقات الحركية يمكن أن تواصل تعليمها في المدارس العادية بطريقة سهلة مع توفر الإمكانيات بشكل عادي عكس الإعاقات البصرية و السمعية.
وأضاف السعيدي أنه استطاع أن يكيف نفسه مع إعاقته ففي بدايته كعضو مجلس بلدي كشخص من ذوي الإعاقة البصرية كان يصطدم مع المجتمع بسبب أنهم يعتبرونه جديدا عليهم وذلك لدراسته في مراكز منعزلة عن المجتمع منذ صغره، مبيناً أنه واجه أيضاً صعوبة الوصول إلى الوسائل المعينة للكتابة والمرافق التي تعينه على كتابة المذكرات والرسائل وتحرير الأوراق.
أما ظافر أبوصلاح الذي يعاني من إعاقة حركية منذ الولادة يرى أن هناك هضما لحقوق ذوي الاحتياجات وقلة وعي من المجتمع ودعم من الجهات المختصة حتى على الصعيد المعنوي.
ويقول إنه توقف عن الدراسة في السنة الرابعة في الابتدائية وذلك بسبب التنمر ونظرة الشفقة التي تعلو وجوه المعلمات والطلبة ولم يستطع الاستمرار بينما يرى أنه كانت هناك مدارس خاصة بذوي الاحتياجات على الأقل إلى السنوات التي يكون قد كون فيها شخصيته المستقلة التي يمكن أن يواجه بها المجتمع.
ويضيف أنه في مدن الشمال تتواجد عديد المدارس والمراكز التي تعنى بهذه الفئة ويتمنى أن تحذو مدن الجنوب حذوها.
ويواصل قائلاً إن غياب الأماكن الخاصة وأماكن الترفيه جعله حبيس البيت فكل الأماكن غير مخصصة ولا تناسبهم وكأن المجتمع تناسى وجودهم وحقهم في الترفيه والعيش، مطالباً بأن تكون هناك تدريبات مهنية لهم ليتسنى لهم دخول التجارة وزيادة الدخل.
موضحاً أن راتب الضمان لا يكفي خاصة مع غلاء الأسعار.
بينما يؤكد مروان الصنهاجي الذي يعاني من إعاقة بصرية أن سوء البنية التحتية للمدينة من الحفر والمطبات تصعب عليه ممارسة حياته بشكل سهل.
ويطالب وزارة الشؤون الاجتماعية بتوفير الوسائل التعليمية والأجهزة الحديثة التي تساعد المكفوفين على الدراسة والعمل والعصا البيضاء التي تساعد الكفيف على السير.
ويضيف أنه واجه صعوبات في تعليمه في الجامعة ويرجع ذلك لعدم فهم القائمين على العملية التعليمية لما يحتاجه المعاق بصرياً من وسائل للتعليم، مشيراً إلى أن واجهته صعوبة في القراءة، ولكن مؤخراً توفرت بعض الأجهزة التي تعمل بطريقة (بريل) غير أنه بسبب غلائها لا يمكن للكل اقتناؤها ولذلك يجب على الدولة أن تتكفل بتوفيرها.
ونوه إلى أن هناك جهازا حديثا خاصا بالقراءة والكتابة وهو (برايل 1) إن توفر سيساعد المكفوفين بشكل كبير.
و يشير إلى أنه في سنة التخرج من جامعة سبها قسم علم النفس وهو يعمل على مشروع التخرج ولكنه يواجه صعوبات في القراءة وإيجاد المراجع التي تناسب إعاقته.
بينما يرى رئيس جمعية الأصدقاء للأشخاص ذوي الإعاقة أحمد بركة عبدالله أن هناك غيابا تاما من المؤسسات المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في الجنوب.
و عن الجمعية يقول عبد الله- الذي يعاني من إعاقة حركية- إنها جمعية أهلية تعنى بالاهتمام بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والدفاع عنهم وتلبية احتياجاتهم و قامت بتنفيذ عديد المشاريع والأنشطة الهادفة لتوعية المجتمع وذوي الإعاقة بحقوقهم وواجباتهم و تضم ما يقارب 95 شخصا منتسبا من مختلف أنواع الإعاقات.
التشريعات والقوانين
أما رئيس مجلس إدارة جمعية ذكرى لرعاية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة حسن محمد أبوكتيف يرى أن هناك صعوبات متعددة منها ما يتعلق بالتهيئة المكانية ومايتعلق بالنفاذ للمكان والمعلومة ومنها ما يتعلق بالوعي الخاص بالإعاقة مثل تقبل الأهالي لإعاقة أطفالهم وتقبل المحيط لهم.
ويقول إنه بشكل عام هناك احتياجات كبيرة جدا للنهوض بواقع الأطفال ذوي الإعاقة في ليبيا عامة وفي مناطق الجنوب بشكل خاص تبدأ من التشريعات والقوانين وتنتهي بخدمات لامجال لحصرها إنما يمكن أن نذكر منها الأهم وهي قواعد البيانات، وثقافة الإدماج والتقبل المجتمعي.
وأشار إلى ضرورة تطبيق كل ما نصت علية الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل من المصلحة الفضلى إلى التعليم إلى الترفيه إلى الصحة والحق في الحياة الكريمة، موضحاً أن فرص الأطفال ذوي الإعاقة في التعليم ضعيفة فهم إما في مراكز لا تستطيع تقديم الخدمات بشكل أفضل أو بانعدامها مثل المدارس الخاصة بالمكفوفين ومتعددي الإعاقة.
ويقول عن فكرة إنشاء جمعية ذكرى التي تم إشهارها في عام 2013 بسبب ابنته الثانية ذكرى التي ولدت بنقص الأكسجين أثناء الولادة:” كانت التجربة دافعا لتأسيس جمعية ذكرى لخدمة ذكرى والأطفال ذوي الإعاقة، والتي عملت في مجالات عدة مثل الإرشاد الأسري والتدخل المبكر والتوعية والتدريب للمتعاملين مع الأطفال ذوي الإعاقة وأسرهم بالمشاركة مع مؤسسات الدولة والقطاع الخاص وقد تمكنا في سنوات سابقة من توفير كثير المستلزمات وتوزيعها على محتاجيها من أطفال هذه الفئة
ويقول حسن شهاء وهو يعاني من إعاقة حركية من بلدية القطرون إن المعاق يواجه صعوبات عديدة وأوجه المعاناة كثيرة خاصة عند خروج المعاق لقضاء حياته اليومية وقضاء احتياجاته الخارجية بسبب عدم وجود مَرافق تسهل عملية الحركة له حتى في المدارس وهذا ما دفع عددا من ذوي الإعاقة بترك المدارس.
وبخصوص التوظيف يقول إنه مقترن بالتعليم فالمعاق في الجنوب لم يتحصل على فرص التعليم أسوة بمدن الساحل التي توجد بها مثل المراكز التي تعمل على دمج هذه الفئة في المجتمع.
مضيفاً أنه تلقى دورة في مركز تأهيل المعاقين في بنغازي في مجال الصناعات الجلدية وعلى إثر ذلك تم تعيينه في قطاع الصناعات.
موضحاً أهمية دور الأسرة في بناء شخصية المعاق وتحفيزه وبث روح التحدي والإصرار به وتشجيعه على تلقي التعليم كالأسوياء.
ويشير إلى ندرة وجود معاقين متوظفين في مرافق الدولة. منوهاً أن الدولة الليبية من أوائل الدول التي أقرت قانون حقوق المعاقين، بالإضافة إلى وجود نسبة مخصصة لهذه الفئة في الوظائف الحكومية إلا أنه لم يتم استغلال هذه النسبة لعدم تأهيل وتعليم المعاقين.
ويرى حسن أنه يجب توعية الآباء في كيفية التصرف مع المعاق و عدم النظر له بأنه وصمة أو عار وإخفائه عن الناس فأساس إدماج هذه الفئة تبدأ من الأسرة، متمنياً من منظمات المجتمع المدني و الجهات الحكومية أن تنظم برامج توعية وتدريب الآباء على كيفية التعامل مع أبنائهم المعاقين وإشعارهم بالتوازن النفسي.
ويرى أن المجتمع بشكل عام ينظر للمعاق على أنه إنسان لا يضيف شيئا للمجتمع وغير قادر على الاعتماد على نفسه ومختلف عن باقي الشرائح وينظر له بشفقة مما يؤثر سلباً على المعاق ويشعره بالدونية والازدراء .
بخصوص المطالب يقول إن أبسط الأشياء غير متوفرة خاصة بالنسبة للمعاقين الذين يستخدمون مستلزمات طبية معينة كالحفاظات وكراسي دورات المياه إذ يرى أن المعاقين في مناطق الجنوب كتراغن وأم الأرانب و تجرهي والقطرون وغيرها من المناطق البعيدة عن سبها متواجدون فقط في البيوت لعدم توفر مستلزماتهم وإن توفرت تكون بكميات قليلة جدا، بالإضافة إلى المعاقين الذين أصيبوا في الحروب في جميع مناطق الجنوب من كل المكونات والذين تم بتر أطرافهم يستحقون أطرافا صناعية.
ويتابع ” في سبها يوجد مركز واحد لفئة الصم والبكم لكن يجب أن يكون هناك مركز شامل بعدد من الأقسام لجميع أنواع الإعاقات كالحركية و البصرية و الذهنية و على الدولة القيام بواجبها تجاه هذه الشريحة، بناء مراكز إعادة تأهيل المعاقين وتدريبهم ويكون مقرها في سبها و بالإضافة إلى إدماج المعاقين وتعليمهم يساهم المركز في خلق حلقة وصل بين المعاقين في جميع الجنوب مما ينتج عن مشاركة تجارب بعضهم للتشجيع و التحفيز.