حوار بلغة العسكر من داخل مستشفى على سفوح نيدا ( كتائب الجنرال هرزك المقاتلة )

حوار بلغة العسكر من داخل مستشفى على سفوح نيدا ( كتائب الجنرال هرزك المقاتلة )

 كتب :: سالم الزيادي
لاشيء هنا يقلقني سوى أنها تتألم ، تتوجع ، تئن ، تصرخ من شدة هول السم الزعاف الذي يتقاطر فى شرايينها عبر فوهة هذا الأنبوب المعلق ، الذي يبدو أنه صار يعرف هدفه بدقة متناهية .. و ملائكة الرحمة تتحلق حول المكان .
يا لها من مسكينة ، إذ ما ينفك يعلو عويلها حينما تستفيق حتى كأنها تتنرنح مابين دوار تارة ، و مغص وقيء و غثيان تارة أخرى .
تصرخ ( بابا ، بابا ) .. فأهرع مسرعا لأجيبها لبيك ، ولكن ماذا بمقدوري أن أفعل سوى الإستعانة بالله ؟
غير أني هاتفت ( بروفسور هرزك ) شاكيا له قسوة معاناتها ، مستفسرا عما عساه يكون هذا الترياق الذي تتجرعه ياترى ؟ .
برغم أن شخصيته توحى إليك بشبح ألماني متعجرف ولكنه يجيبك ببرودة الإنجليزي : ( مستر / زيادي ) .. هون عليك ، أرجو أن لا تأخذك عاطفة الأبوّة بعيدا ، بل أطلب منك أن تنحى ( الأنا ) جانبا رويدك رويدك .. ألم يخبركم عن ذلك مسبقا برفسور ( هولزر ) حين قابلتموه فى فرانكفورت ؟ ألم يبلغك القائد الميداني ( دكتور / حسين) بفحوى أوامري اليومية ؟ هدّء من روعك سيدي ، سأخبرك عن كل شيء .
ياسيدي ما فعلته أنا حقيقة ، هو أنني قمت بإنزال فرقة مدججة من كتائب جيشي المجوقلة والمجحفلة بأعتى وأحدث أنواع الأسلحة الكيماوية و الليزرية والهابوترميا التي ربما لم تعهدها ساحات القتال من قبل ! .
نعم ياسيدي ، أنا وجنرالات فرقتي من أشرفنا بأنفسنا على إعداد الخطط ، واستكملنا كل الإستعدادات السوقية والتعبوية ، أنا من أصدر الأوامر لقواتنا بأن تبدأ فورا القتال .
ويتابع : أفيدكم ياسيدي بأن جسد كريمتكم صار الآن ساحة قتال – رماية وقصف وكثافة نيران – مواجهات حقيقة تدور رحاها الآن ضد عدو إرهابي خطير ، عدو لعين شرس ، لايرحم أبدا ، عدو لابد أن نفتك به قبل أن يفتك بها ، لابد أن نهزمه قبل أن يهزمنا ، إنه صراع بقاء و وجود .
لا عليك .. امشِ الهُوينَا ، فأنا الآن من يراقب الجبهات براداراتي ، أتجسس على الخصم بمخابراتي وأتابع المعركة من داخل غرفة عملياتي .. إنني أرى قتلى وجرحى يتساقطون ونيرانا تستعر في مواقع العدو، ميدانها جسد كريمتكم.
وبينما بروفسور “هرزك” يمضى مسترسلا في تلاوة بياناته العسكرية التي لا ينقصها إلا أن يصحبها بمؤثرات ومرشات عسكرية ، وهو يقرأ لي ما يمليه عليه ضباطه وجنوده من بيانات جبهات القتال وكأن الرجل لايدري أنني ربما صرت أكثر منه دراية و ثقافة وفهما لأبجدية هذه اللغة ، وكأن”هرزك” لا يعلم أننا معشر الليبيين صرنا أكثر من غيرنا تفقها وفهما لمفردات مصطلحات لغة الحروب هذه ، وذلك منذ أن وطأت بلعنتها على بلادنا وصرنا نقتل بعضنا البعض قبل سبع سنوات ! .
بل أود أن أضيف لمعلومات البروفسور”هرزك ” أنه ( شرف ) لا ندعيه نحن الليبيين !! فقساوة حروبنا التي تدور رحاها في بلادنا دفعتنا نحن إلى أن نضيف إلى معاجم قواميسها براءات اختراع حديثة ، و أثريناها بمفاهيم ومصطلحات جنائية إرهابية جديدة لم يذكرها البروفسور”هرزك” ، لعل منها – على سبيل المثال لا الحصر – مصطلح ( التمشيط ) وتقطيع الجثث ورميها فى مكبات القمامة ، و لا يمكن لمخيلتنا أن تنسى ما قدمته كتيبة ( بوصبع ) من خدمات جليلة !! ، وغيرها مما قد تجود وتتفتق به علينا عقلية المليشيات التي تتربص بطرابلس الآن..
ومن يدري.. ربما ستلد لنا حروبنا المستمرة مصطلحات أخرى ، بعد أن صرنا فى سنوات قليلة اكثر من غيرنا قدرة على تدمير ذاتنا !
سيداتي سادتي .. وأنا أسوق لكم ما استنبطته من محادثتي مع البرفسور/ هرزك ، أقول لكم :- ما لم تهزم ليبيا عدوها ومليشياتها ، و ما لم ينتصر الليبيين لذاتهم فإن حضارة بلادهم ستقبع للعرض والفرجة فى متاحف تاريخ الديناصورات.
سيداتي سادتي ، إنها لمفارقة أليمة هذه التي لفت ذلك الحوار القصير اليها انتباهي ، ذلك أنني كنت أقف شاهدا على حربين تدور رحاها على جبهتين مختلفتين ، واحدة من أجل الحياة ودفع البلاء عنها وعن البشر ، واُخرى تلتهب حقدا وكراهية و إرهابا ، و تدميرا للحياة و للبشر .


  • نيدا ، مقاطعة إسين ، ألمانيا.
    2017 / 02 / 10

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :