حين تختار الحياة وأنت ميت

حين تختار الحياة وأنت ميت

  • نيفين الهوني

زهرة محمد هذا الاسم ليس اسمي.. لكن هذه المرأة أنا ، وربما الآلاف مثلها يحملن رقما لملف ضمته سجلات إحدى المستشفيات والعيادات النسائية المنتشرة في العالم ، وملايين آثرن الصمت وانتظار الموت البطيء، الزاحف مع أحلامهن بالفارس، الذي لم يعد اليوم مجرد حل لمشكلات اجتماعية مستعصية، خُلقت لدعم مجتمع ذكوري، يحلم بالسيادة منذ الأزل ولازال..

بل صار أيضا دواء لأمراض العصر الجسدية والروحية، التي تصيبنا نحن، ونحن النساء فقط من كتب علينا معاناتها وإلى الأبد. كانت الجالسة أمامي رغم نصاعة ملبسها وضيائه سوداء جدا في نظري فما أخبرتني به دون شفقة منها أو حتى القليل من مواساة حاولت استشعارها من بين حروفها اللزجة ..توسلها دمع المآقي المنهمر مدرارا على خدي كمُهل تصهرهما ولا ترحم . ورم رحمي كبير !

ولابد من إزالته واستئصال الرحم أيضا كان شيئا موجعا وخطيرا جدا ، التفكير في المخايرة بين حياتي وحياة طفل أحلم بإنجابه مذ كنت أنا أيضا طفلة.

لكن الأمر بات واقعا يجب التفكير جديا به، بل وحسمه بشكل قاطع.. المرض بدأ في الانتشار . والخوف كل الخوف، أن يتحول إلى خنزير- نعم هكذا كانوا يسمونه داء الخنزير- هل رأيتم خنزيرا يأكل الجيفة من قبل؟!

هكذا يأكل هذا المرض الأحياء تماما، بذات الكيفية، بنفس النهم والتوحش ، ولا يخلف وراءه سوى العفن .. ودمامل وتقرحات نفسية أكثر من الجسدية. هل جربت أن تتعايش مع قروحك ليل نهار؟!

هل أزكمت أنفك قبلا رائحة الصديد؟! هل وصلتك الرائحة؟! هل تشعر بأنك الآن وأنت تقرأ كلماتي بدأت في الإحساس بالألم؟! أو أن رغبة في التقيؤ قد اعترتك ؟! أثناء ارتسام صورته للحظات في ذهنك ؟!

هل شعرت بأنك قذر؟! لأن تفكيرك الإيجابي بالإمساك بتلابيب الحياة، التي تعطيك ظهرها كل يوم، إن لم تكن كل ساعة قد رحل فجأة.. واكتشفت أنك تحبها وعلى الرغم من أنها لا تساوي عندك جناح بعوضة كما درست في كتب العبادات ،وأن عليك اليوم وليس غدا أن تختار بين (جناح البعوضة) و(دود القبر) بين أن أقبل باجتثاث جزء مني بل ربما الجزء الأهم في رحلتي الحياتية كامرأة وبين أن أرفض فأنتهي طعاما لذيذا وبالتأكيد لذيذا كأنثى عاشت مرغوبة ومشتهاة دوما، ما قبل إعلان هذه السوداء من الغيرة قلبا وقولا عن المرض اللعين لذيذا للداء الأسود ولذيذا فيما بعد لدبيب ما تحت الأرض .لم تجرب كل هذا؟!

على الرغم من أنني أراهن بعمر الصبا -الذي خذلني حين قرر المغادرة عدة مرات قبل أن أختار بين الأمرين ..وأن أهرم فجأة بعد الاختيار الصعب الذي وضعتني فيه تلك المرأة اللعينة – وأختار أنك لو فكرت لمجرد التفكير فيه دون تجربة ستنهار ولن تحتمل ما احتملته أنا ذات يوم . هكذا حدثتني جليستي حين قابلتها في أول جلسة من جلساتنا التي تكررت في بهو الفندق الذي جمعنا ذات حجر صحي ، غريبان في بلد غريبة كتب عليهما وآخرون البقاء هنا وانتظار موت من نوع آخر ..يتبع

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :