بقلم :: آسيا الشقروني
كانت حجرة المكتب مكتظة فهذه فترة نهاية الدوام والكل ينتظر ساعة الانصراف من العمل وبما أن مديرة القسم كانت قد غادرت تجمعت النساء في هذا المكتب لكسر الملل وانتظار موعد نهاية الدوام .
كان الجو حاراً والكل يثرثر ، كان عددهن خمسة وأعمارهن تتراوح بين الواحدة والعشرين والأربعين ومع أن إحداهن كانت متزوجة ، والباقي ينتظرون دورهن فى ركوب إحدى عربات قطار الزواج البالية، والتحول من وضع عزباء لمتزوجة،لذلك كان الحديث عن الزواج هو المفضل لدى الجميع.
تكّلمت ليلى التي كان عمرها ثلاثة وعشرين عاماً وأنهت حديثاً دارستها الجامعية ذات جمال متوسط بعينين بنيتين ووجه بيضوى يميل للون الحنطي وفم يميل أن يكون كبيراً والأجمل هو أنفها الشامخ الجميل أو هو كان أجمل ما فيها، قالت ليلى “ أنا أريد أن أتزوج لكي يكون لي حجرة لي وحدي مع حمام خاص بي شخصياً لا يشاطرني فيه حتى زوجي “.
لم تكد تنتهي من جملتها حتى وبختها زميلتها نادية ونهرتها بشدة ولكن بصوت هامس:“إياك أن تعيدي هذا الكلام مرة أخرى والحمد لله لم يسمعك أحد فالكل يتكلم”.
سألتها ليلى “ لماذا؟ فعلاً أحلم بحجرة لي وحدي فطالما قاسمتني أختي الحجرة قبل أن تتزوج والآن أخي الأصغر يبيت معظم الوقت معي بحجة استعمال التلفزيون، وأمي استحسنت هذا الوضع لكي تظل حجرة استقبال الضيوف مرتبة دائماً، وأصبح الحمام ملاذي للانفراد بنفسي خصوصاً إذا أردت البكاء”.
أجابتها نادية ” لا تقولي ذلك، لن يخطبك أحد إذا سمع هذا الكلام، يجب أن تشاركي زوجك سريره وغرفته وتتركين له الحمام كل الوقت حتى ينتهي منه، لا تتفهوي بهذا الكلام، الرجال لا يحبون هذا”.
أجابت ليلى بتحد” لا يوجد هنا رجال”.
قالت نادية بفقدان صبر واضح ” لا تقولي هذا حتى أمام نفسك، راحة الرجل قبل راحتك هكذا تعلمنا”.
صمتت ليلى ولم تفهم حينها السبب، ولم يمر وقت كثير حتى وافقت على واحد ممن تقدموا لخطبتها وأحست أنها بامتلاكها بيتها الخاص اقتربت من تحقيق حلمها.
حل يوم زواجها ومر كل شيء بسرعة لم تدركها لا الحفل ولا ما بعده كانت في غاية التعب لعرس امتد بتجهيزاته لأكثر من أسبوع ، ووجدت نفسها تشارك شخصاً غريباً مساحة أقل من مترين وهو ما يسمى سريرا، و سرعان ما تصاعد صوت شخيره عالياً ،،، نقمت على من اخترع السرير وبقيت مستيقظة حتى غمر نور النهار كامل البيت حينها أحست كم كانت صفقتها خاسرة .
وبدل من مجرد ضوء يوقظه أخوها ليلاُ أو صوت تلفاز يمكن أن يُقفل وتنام بعده،،،أصبح الآن شخير لا يهدأ وكأنها نائمة فوق مرجل،هذا عوضاً عن اهتزاز السرير مع كل حركة لعنت من اخترع هذا السرير الزوجي ولعنت صاحب فكرة أن الأزواج لابد أن يتقاسموا سريرا واحدا.
ازدادت مشاكلها بقدوم الشتاء حيث كانت تدور حرب باردة على من يأخذ أكبر قدر من اللحاف وفي ليال كثيرة أفاقت من شدة البرد لتجد نفسها بدون غطاء لأن زوجها كان يجذبه له أثناء نومه بدون شعور، ومضت أعوام تمكنت بعدها من إقناعه بضرورة أن يلتحف كلٍ منهما بغطاء مستقل.
زادت مشاكلها من النوم بقدوم الأطفال ، لو كانوا مرضى إذاً لا تستطيع النوم خوفاً من تفاقم الحالة وإن كانوا أصحاء لابد من المرور بهم مرة أو مرتين للاطمئنان أنهم أحياء، وتولت هي مهمة إرهاف السمع لصوت سعلة أو طلب ماء أو حتى لحلم جعل أحدهم يتكلم.
كبر الأولاد واستقر نومهم ، ولكن بالمقابل زادت مشاكل الغدد لدى زوجها بالتقدم في السن وازداد الشخير أعلى صوتاً وأكثر قوة ،،،لدرجة أنها في بعض الصباحات تستيقظ وكأنها لم تنم لأنها لم تدخل مراحل النوم العميق.
توالت السنون وأصُيب زوجها بمرض عضال لم يمهله طويلاَ وانتقل إلى بارئه.
وها هي اليوم وقد مر أكثر من أسبوع على وفاته،، أيام العزاء لم تستطع النوم ،كثير النساء هنا و هناك، فهذه تتحرك تبحث عن وسادة والأخرى على غطاء وثالثة تحدث بصوت تحسبه منخفضا في حين أن الكل يسمع، وفي الصباح تقوم لتوقظ بناتها ليعددن الفطور، ولكن الليلة قررت أن تنام في غرفتها لأنها منهكة وتحتاج للنوم بهدوء دخلت غرفتها بعدما غادرت معظم النساء لم تبق إلا أختها وأخت زوجها وأمه.
أخذت حماماً سريعاً لتضمن نوماً سريعاً و دخلت غرفتها وأقفلت على نفسها الباب بكت زوجها وبكت ذكرياتها الجميلة معه أو ما كان جميلاً،،، وشعرت بفرح خالطه شعور بالذنب بأنه منذ الآن أصبح السرير كله ملكها، مسحت دموعها ارتدت ثياب نومها ودخلت سريرها الفسيح ووجدته بارداً ولكن شيئاً فشيئاً أصبح دافئاً، تذكرت الباب المقفل بالمفتاح نهضت لتفتحه فهى تكره الأبواب المغلقة،، عادت لسريرها ونظرها يجول بكل الغرفة الفسيحة ، من اليوم كل الغرفة لها وحدها منذ اليوم صار بإمكانها إشعال ضوء مصباح القراءة متى شاءت وأن تستغل كل الخزانة لها وتسمع صرير الجارور بجانبها متى شاءت دون تحفظ فهي وحدها في الغرفة
أخيراً امتلكت ليلى غرفة خاصة بها، بهذه الأفكار نامت ، نامت عميقاً ،نامت كما لم تنم من قبل ولكن إلى الأبد.