خبر أفرحني جدا .. لكن لابد من تعليق ..

خبر أفرحني جدا .. لكن لابد من تعليق ..

كتب :: عبد القادر الحضيري 
تسلم مركز التوثيق والمعلومات بديوان رئاسة الوزراء في العاصمة طرابلس، أمس الأحد ، الدفعة الرابعة من الأرشيف الخاص برئاسة مجلس الوزراء، استنادًا إلى الاختصاصات المنوطة بعمل المركز.

وقالت إدارة التواصل والإعلام برئاسة مجلس الوزراء عبر صفحتها على «فيسبوك»، إن تسليم أرشيف رئاسة الوزراء يأتي استنادًا لاتفاق بين مركز المعلومات والتوثيق وديوان رئاسة الوزراء والمركز الليبي للدراسات التاريخية.

وأوضحت إدارة التواصل والإعلام برئاسة مجلس الوزراء، أن مركز التوثيق والمعلومات بديوان رئاسة الوزراء سيتولى بدوره تصنيف وحفظ الأرشيف إلكترونيًّا، وفق أحدث الطرق العلمية والفنية، ووضعه في الخزائن المخصصة للأرشفة بالديوان…


انتهى الخبر .. ولي تعليق مهم للغاية .. وحكاية للتاريخ .. حيث انني كنت مؤسسا ومديرا عاما لهذا المركز .. اثناء عملي باللجنة الشعبية العامة أود تسجيلهما للتاريخ…


لقد عرف قطاع الأرشيف في العالم في النصف الثاني من القرن الماضي تطوراً سريعاً أخرجه من العزلة التي كان يعاني منها باعتبار جزء منه تاريخي فقط والباقي ليس له أهمية .. والآن أصبح الأرشيف مع بداية الألفة الثالثة ميداناً مقنناً في جميع الجوانب من حياتنا الإدارية والتاريخية وظهرت سلسلة من المقاييس الدولية يجب مراعاتها.
وهنا أودّ أن أكرر وأن أُلفت انتباه الجميع ( خاصة ) المسئولين في جميع المستويات بأن ” أرشيف الدولة الليبية ” في خطر !!
فقد شهدت العقود الثلاثة الماضية حركة تنقلات واسعة لكثير من القطاعات السيادية فمن ( طرابلس إلى سرت وإلى الجفرة .. فعودة إلى طرابلس.. ) مما أهدر جزء من المستندات والوثائق .. والباقي الآن محفوظ في أسوأ الظروف في المخازن العامة وتحت الأرض في مباني ليست بها حماية كافية لهذه المستندات وإذا استمر الوضع كما هو عليه الآن .. فأنه قد تصبح ليبيا بدون أرشيف ، أي بدون ذاكرة .. ومن ثّم بدون تاريخ.


تلك كانت الرؤية التي بدأت بها العمل في 1. 1009م .. مديرا لمركز المعلومات والتوثيق ..


وبتحليل علمي لواقع الارشفة في ليبيا .. وبعد انتدابي من الجامعة في يناير 2009م للعمل ( مديراً عاماً لمركز المعلومات والتوثيق باللجنة الشعبية العامة / ديوان رئاسة مجلس الوزراء الآن..
حرصتُ وفوراً في عمليات تهيئة مكان العمل بالدور تحت الأرضي بمقـر رئاسة الوزراء لحـماية (الأرشيف الإداري المركزي) من عوامل التلف الطارئة ( حريق أو أمطار أو غيره – لا قدر الله )..

وشمل العمل فرز وتصنيف أكثر من (900,000) تسعمائة ألف ملف.
( وكل ملف يحتوى حوالى 50 صفحة ) وتنظيفها ، حيث أن هذه الملايين من المستندات مخزنة بصورة سيئة في سراديب تحت الأرض ( الأدوار تحت الأرضي) .. ومثلها في ذلك في جميع القطاعات العامة ووزارات وهيئات الدولة.

فبدأنا بتعقيم (الدور تحت الأرضي) بمبنى رئاسة الوزراء بالتبخير المبدئي الكيميائي (Fumigation) بعد إزالة الغبار الهائل والنفايات التي كانت موجودة ..
وتم إعداد صالات كبيرة تحتوي الأجهزة الإلكترونية اللازمة ومنظومة تحوى برنامج الإدخال الآلي وشبكة اتصالات وربط إلكتروني مناسبة.

وقد تم إعداد وتدريب فريق للإدخال الآلي للبيانات وتلخيص المستندات حسب النماذج المعدة والمعتمدة ..
وتم توفير منظومات حديثة للأرشفة وأجهزة إلكترونية ذات طبيعة خاصة ليتم أرشفة أكثر من 3 مليون وثيقة في الأرشيف الإداري المركزي للدولة.

ثم وضعتُ ( خطة عمل لمركز المعلومات والتوثيق ) تركّـزت على تقسيم مراحل التوثيق الإلكتروني لأرشيف الدولة إلى ( 3 ) مراحل:


1-المرحلة الأولى: ( وثائق الفترة الملكية من 1950م وحتى 1969م ).

2- المرحلة الثانية: ( وثائق فترة الجمهورية من 1969 م وحتى 1977م ).

3 – المرحلة الثالثة : ( وثائق فترة الجماهيرية من 1977م وحتى 2010 م ).

وبدأ العمل لتنفيذ المهمة ..
حيث قمتُ بتكوين (6) فرق تتكوّن من( 70 عنصراً ) من مدخلي بيانات ومبرمجين ومهندسين وملخّصين للمستندات حسب النماذج المعدة والمعتمدة ومراجعين ( مصححين ) وقانونيين ، وتحت اشرافي لمباشرة توثيق هذه الملفات والمعلومات التي تحتويها ( إلكترونياً ) من خلال منظومة إلكترونية متكاملة تم تصميمها لهذا الغرض.
وبدأ العمل الفعلي في 1 /1 /2009م.


وكانت النتائج في يناير 2011م على النحو التالي:

1- وصل الفريق الذي قدته شخصياً من خلال المركز إلى توثيق ملايين مستندات الأرشيف الإداري للدولة الليبية إلكترونياً حتى عام 1984م الكترونيا تنازلياً أي من 2009م ووصلنا حتى سنة 1983م ..
وشملت حوالى 2,9 مليون وثيقة محفوظة الآن الكترونيا في وسائط حفظ الكترونية ملائمة.

2- وثائق الفترة الملكية (1950م -1969 م) وهي ملفات ذات طبيعة خاصة من حيث نوعية الورق وحجمه وطريقة تخزينها.. وجدنا أنها تحتاج إلى إجراء عملية التبخير الكيماوي (Fumigation ) لتنظيفها من الغبار والبكتيريا التي تحتويها .. وبدأت هذه العملية لكنها توقفت في شهر 2/2011 م بسبب الأحداث.

3- قدمت عرضا مرئيا في (المؤتمر الأول للأرشيف ونظم التوثيق) الذى نظمته الشركة العامة للكهرباء في الفترة من 19-20 /12/ 2009 م ..حول تنفيذ هذه المهمة تمهيدا لتنفيذ مشروع الارشيف الالكتروني المركزي.


عودة للحكاية التي اود سردها مرة أخرى…..


بعد قصف مباني الرقابة الشعبية ( سابقا ) والأمن الداخلي بشارع الجمهورية بطرابلس إضافة إلى مبنى ( الاستخبارات العسكرية ) بشارع الزاوية …
استشعرتُ خطر ضياع الوثائق والملفات والمستندات بهذه المباني وإمكانية وقوعها في أيادي أجنبية أو غير أمينة..
وتذكرت أثناء دراستي في ألمانيا بحث اطلعت عليه وأثار اهتمامي آنذاك حول طريقة حفظ ألمانيا لأرشيفها القومي أثناء الحرب العالمية الثانية .. والجهد الذى قام به العلماء والمختصين الألمان في ذلك .. وتجربتهم الناجحة.
وتذكرت أنه قد تصبح ليبيا بدون أرشيف وبدون ذاكرة .. ومن ثّم بدون تاريخ .. اذا لم يتم الحفاظ على هذه ملايين المستندات والوثائق!!

فبادرت وعرضت على الدكتور البغدادي المحمودي .. فك الله أسره .. في شهر 6 / 2011م أن أُكلف بمهمة نوعية للحفاظ على الأرشيف الليبي الموجود لدينا في مقر اللجنة الشعبية العامة ..
وفعلا تم تكليفي رسميا .. رئيسا ( للجنة حفظ وتنظيم وتصنيف وتوثيق الملفات والمستندات ووثائق مجالس الوزراء واللجان الشعبية العامة منذ سنة 1950م وحتى 2010م.)

عندها بادرت على الفور وأحضرت أكثر من عشرة آلاف صندوق لحفظ البيض (بالليبي كراتين دحي) إلى ساحة مبنى اللجنة الشعبية العامة بطريق السكة ..
واستعنت بموظفي مركز المعلومات والتوثيق والجهاز الإداري للجنة الشعبية العامة ..
ووفرت كل ما يلزم لهم من: كمّامات واقية .. والألاف من أدوات اللصق …الخ , وعشرات من العمال الأفارقة !!!.
وكان آنذاك في 2011م من الصعب جداً جداً الحصول عليهم في تلك الفترة .


وبدأنا بفرز ملفات ( تقدر بـ 4 مليون ملف ) وأشرفتُ شخصيا على أن تخزن في صناديق البيض بطريقة يسهل الرجوع إليها عند الحاجة ..
وقمت بالكتابة على كل هذه الصناديق والتعريف بمحتوياتها .
(كما هي موضحة في الصورة)

واستمرت عملية النقل للأرشيف الإداري للدولة الليبية بواسطة سيارات نقل كبيرة صباحا ومساءً كل يوم ولمدة 37 يوماً تقريباً إلى مخزن قمت باستئجاره واخترته في منطقة سكنية بالقرب من “الهانئ .. فشلوم”.
وجهزته ليكون ملائما لحفظ هذه الوثائق من خلال رشه بالمبيدات اللازمة ضد القوارض , وإعداد أرضيته , وضمان عدم دخول المياه إليه وتهويته بطريقة مهنية وعلمية ……الخ.

وخزنت فيه أكثر من (4) مليون وثيقة وملف تحوي كامل المعاملات الإدارية والمالية وغيرها للدولة الليبية من (1950م وحتى 2010 م ).
وقفلت هذا المخزن منذ شهر 6/ 2011م.. واستمر تحت رعايتي حتى 11 / 2011 حيث طلب مني تسليمه ..
فعملت على أن اسلمه إلى حضرة السيد النائب العام آنذاك والذي تم اغتياله في درنه المرحوم المستشار / عبدالحكيم الحصادي الذى عمل على حمايته .. وشكرني على هذا الجهد الوطني والمهني ..
ثم ..
تم في السنوات اللاحقة نقله إلى مخازن (مركز جهاد الليبيين ) بشارع ميزران .. وتم تكليف لجنة للإشراف عليه !!!!.
والذي اعاده أمس لأصحابه الأصليين ..


وقد كنت قد كتبت في 2014وم منذ 4 سنوات :
( لقد توقف للأسف هذا العمل وهذه المهمة الوطنية وأرجو أن يعود يستمر مستقبلاً مع الأوضاع الجديدة في ليبيا ).

ولكن هاهو يعود للعمل على أيدي الشباب الذين دربتهم في الداخل والخارج واخترتهم وعينتهم بالمركز .. واتمنى لهم النجاح .


وجراء هذا الجهد الوطني تم دعوتي ثم تكليفي من قبل منظمة اليونيسكو وفرعها المختص بالعلوم والثقافة في ليبيا ضمن لجنة من المختصين في الأرشفة وعقدنا اجتماعات متعددة في مقر اليونيسكو بطرابلس في نهاية 2014م واستمرت حتى منتصف 2015م ..
وقد اعددنا مشروع قانون متكامل للأرشيف الوطني الليبي ..
وهو جاهز لإقراره من الجهات التشريعية المعنية.
والتي إرتأينا تأجيل هذه الخطوة حتى تستقر الأوضاع في ليبيا وينتهي التصارع على من يملك الشرعية .. ومن ثم سنواصل المهمة من أجل ليبيا .

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :