قصة قصيرة :: جود الفويرس
عُقد البارحة قران أينور على بدر، كان القدر جميلًا جدًا حين جمع بين البدر و ضوئه تحت مجهرٍ ما، ذاك الشيء الذي يُكبّر الرّوح ليرى جمالها فقط، و هكذا التقى كلاهُما في أحد المعامل الدّراسيّة. تجلس العروس على كرسيّ في مصفّف الشّعر، وجهها ينضح بالتّوتّر وهي تهز رجلها اليمنى بقلق، جائعةٌ المسكينة ولم تأكل منذ أيّام، مصابة بما يُسمّى (خنّاق العرايس)، تفكّر في كلّ شيء و هي تنتظر دورها، حياتها الزّوجيّة الجديدة، هي هو، و المالديف ، ثمّ تقفز في عقلها كلونٍ على البياض تساؤلاتٌ عن شكلها و طلّتها ، تتمنّى أن تكون لوحة اليوم الفنيّة وإلاّ .. يختفي كلّ شيء حين يُراسلها بدر، وتظهر على محياها ابتسامة تفرض نفسها كالحياة تمامًا، و تفضح عن أسبابها أيضًا، تضع العروس بدلالٍٍ في فمها حبّة من شوكولاتة موزارت التي أرسلها إليها بدر صباح هذا اليوم، ثمّ تنظر إلى محبسها بعمق قائلة :هذه هيَ السّعادة المطلقة أليس كذلك؟ في البُيوت المنفردة، يعدّ المعازيم أنفسهم بترف، كأنّهم أهل العُرس نفسه، تتنصّف الأمّ حجرة ما، ثمّ تتوالى عليها فتياتها الواحدة بعد الأخرى، تعقص شعر هذه و تلوي شعر تلك، ثمّ تأتِي الأخت الكبرى و هي تنفخ ريشها ظنًا بأنّها جويل! لتضع مساحيق التّجميل بالجملة للجميع، الأمر مكلّف أقول لكم ربّما يتضمّن ذلك إعداد القهوة لجلالتها أسبوعا كاملا، أو ربّما غسل الأطباق عنها لعدّة أيّام في الأسبوع ، لكنّها جويل المنزل في تلك الليلة فِعليًّا . يقترب موعد الحفل، الغبطة تنتشر في الأماكن والقلوب، تتشابك الأيادي، وتلمع الكُعوب كالسّكاكين المسنّنة ، الرّائحة العطرة تعبق في أرجاء المكان، البخور يتراقص على ترانيم الفرح، تسمعه يُعبّر عن نفسه أيضًا حتّى و كأنّك تشمّ رائحته ، تنفجر الثّياب على الأسرّة، وتُوضع الفساتين على الأجساد، يأخذُ الجميع سيلفي قبل الخروج، ثمّ يتّجهون نحو الصّالة. بدر محاط بأصدقائه الآن في صالون الحلاقة، لا مجال للمشاعر هنا؛ فهو لعبتهم اليوم، جميعهم يتسلّون به، يعاتبه المتزوّج منهم و يتشمّت به الأعزب، ويسرح الخاطب فيهم في أحلامه أيضًا ، لكنّه في عالم آخر بعيد عنهم يراسل عروسه متسائلا: (هل أنتِ مستعدّة؟). في البيت، تحديدًا في غرفة ما في زاوية محدّدة، كلّ شيء ينطق بسكون ، تشعر أينور بأنّ الحيطان تبتسم لها مودّعة ، تفكّر في أخذ سريرها الصّغير معها أيضًا، من سيعرف من دونه حالها من وزنها فقط ؟ من سيتحمّل أرطالها الزائدة و يأسف على النّاقصة منها غيره؟ من سترتمي في وسعه لتنكمش و تتقلّب فيه كما تشاء؟تشعر بالخيانة الآن لأنّها ستعلن الولاء لسرير جديد ، وسادتها تبكي وللمرّة الأولى و هي تودّعها، رغم أنها امتصّت الدّموع لعمر كامل، أيفيض بها الكأس الآن؟ كان يخنق بياضها الكحل تارة، و تارة أخرى تسقط الدّموع الشّفافة على سطحها كالمطر، كانت بحرا لرأس أينور، تحمّلت في عمق جوفها عقلها المثقل بحكمته لأيّام طويلة، و أهدتها أحلام طافية على السّطح أيضًا، تلك الأحلام التي كانت تخصّ هذا اليوم في الفترة الأخيرة، ترتدي العروس فستانها على مهل و هي تشعر بكلّ هذا في غرفتها ، تنظر إليها شبرا شبرا كأنّها تقيس كلّ نقطة فيها، تحفظ معالمها، ذكرياتها و كلّ شيء، ثمّ تخرج منها . إن كُنت من الشّبان الذين يتّكئون على الحيطان ولا يتركون عبدًا من عباد الله حتّى يذكرونه، وإن كنت تنتمي إلى نفس العائلة أيضًا ستضحك كثيرًا و أنت تتسكّع خارج أساور صالة الفرح، رغم أنّه عليك غض بصرك، لكنّك تستحيل إلى عينين في هذه اللحظات و تقهقه عاليًا، ليس لشيء إلاّ لمشية البجعة الضّالة و مشية العرنجل تلك (مشية كلّ فتاة ليست معتادة على الكعب العالي) إنّه ضروري للفستان و الأناقة، أتفهم ؟ ثمّ إنّك لا تعرف ألم القدمين الذي نعانيه بعدها ( ضريبة الطّرحة ) كما يقال عادة . حسنا،ً الآن ستُزفّ أينور لبدر ، تنظر إليه و هي تنزل الدّرج لتستقرّ بكلّ خطوة تخطوها في مكان أعمق في جوفه، هي تنظر إليه من دون قصد، لكنّ كلّ شيء منها يخصّه بكلّ قصد، وحدها فقط من تُصيب في قلبه ما يُصابُ مرّة واحدة في العُمر . الوقت معها لا يُشبه الزّمن ؛ ذلك لأنّ الزّمن جزء ضئيل فيه . قلبها و قلبه ينتفضان توترًا و فرحا، كأنّهما طبلتين و أنت قارعهما، تخيّل الآن أي الأنغام ستسمع من حبيب بجانبه حبيبته . على شاشات العرض، البروجكتر يعرض الصّور كلّها للعروسين، العائلتين، والأصدقاء، صور الطفولة، التّخرج، و الخطوبة، كلّ شيء هنا موثّق بالتّفاصيل، الجميع يضحك و يبكي تأثّرًا في ذات الوقت، الموسيقا تطابق الشخصيّات، المشاعر، و المواقف ، كلّ يبدو مثاليا . على الطّاولة حيث يقعد المعازيم، و في منتصف كلّ هذا الجمال تبحث حاسدة ماكرة عن عيوب العيوب، و إن لم تجدها تجدها بالغصب؛ كأن تقول الأكل مالح مثلًا ، في حقيقة الأمر لا شيء مالح هنا غير قلبها، وأخرى تتشاءم، تقول مسكينة أينور ماذا سيحلّ بها الآن بعد أن زُفّت على أنغامٍ يغنّيها الجسمي، تُضيف ؛ ستُزال منها النّعم، و سيضنيها الشّقاء، لن تُنجب الأطفال، وستُطلّق في نهاية الأمر، تفكّر ربّما…ستموت أيضاً، عاجلا بعد أيّام أو ربّما آجلا بعد سنوات، المهم أنّها ستموت ، لأنّها زُفت على أنغام يغنيّها الجسمي ، ألا يموت المرء في النّهاية ؟ أليس هذا قدر مقدور لا مفرّ منه؟ مسكين، أصبح (حسين الجسمي) كغراب ينعق في الفراغ؛ رمز للتّشاؤم، لكنّه يقول في أغنيته .. ( لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، ألف الصّلاة و السّلام عليك يا حبيب الله محمد )، أغنية جميلة لمن تأمّل فيها. . في صباح اليوم التّالي تنوح ابنة خالة العروس خارج قاعة الامتحان، هي قد باعت ضميرها الدّراسي طوال الأسبوع، فبأي ثمن تشتريه الآن ؟ ظنّت أنها قادرة على القفز بالزمن و تدارك الأمر، لكنّها عاجزة أشر العجز في هذه اللحظة، درجاتها قد تطايرت في الهواء لتلحق بأينور و بدر في المالديف ، تذكرت قول أمّها و النّدم الآن جائع يأكل منها بنهم و لا يشبع (يا مقهورة، خليك هكي لين تسقطي راهو العروس للعريس والجري للمتاعيس)