درنة

درنة

  • علي اسبيق

نكبت درنة ياعمتي رجعة .. اختفت عجائز البخور .. وبائعات اللبن .. لم يعد لوبانها الذكر موجودا ..فقط طعمه المر يملأ المكان .. سوق الظلام .. الحواري الضيقة .. وتلك الرائحة المنبعثة من ثيابك .. رائحة المسك والعنبر ..

مازلت أذكر زيارتي الأولى لدرنة .. مع عمتي رجعة زوجة عمي بوفراج اسبيق .  حين ضاقت به وبتعنته .. أخذتني من يدي ممسكة جردها بأسنانها ..

__ بيش تشيلنا لعند درنة ..

_ بجنيهين ونص أنتوا اثنين يعني خمسة ..

__ لا ياباتي اعليوة سع يركب في كتري ..

كانت المرة الأولى التي أرى فيها بحرا .. كانت البركة كبيرة .. استغرق عقلي دقائق ليستوعب أنها ليست بركة وليست سماء .. إنه البحر .. البحر الجميل والمخيف والمرعب ..

في الضفة الأخرى جبل شاهق .. أودية .. وبينهما الكثير من التكسيات المخططة .. شيخ كبير يقود دراجة هوائية مرتديا بزة رياضة .. عجائز يعرضن اللبن والحلبة والشبة

_ها يارجعة ايش جبتيلنا معاك

__ ايدونك زبدة وشويشتين لبن

_ كنك باخلة علينا مش عوايدك

__ ابقيرتي الصفرة ماتت يايام .. والحقة السودة بعتها نريد نزوق بها الحوش .. ومغير الجرسية هي اللي تحلب ..

تجولت بي عند بيوت الأقارب هناك .. هنأت .. عزت .. وعادت المرضى .. ثم اشترت لي سروالا .. نص مفروم .. ثم وقفنا على المشير قافلين ..

لكن درنة لم تقفل منا .. لم أزر بعد عمتي رجعة لأخبرها بأن درناها التي تحب قد قفلت عنا .. أنها كلمنا الذي لن يندمل .. وأن بائعات اللبن مثلها لم يعد عندهن أبقارا ولا لبن..

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :