بقلم :: محمد بعيو
عـنـدمـا أكـتـب أو أقـول مـا يـعـجـب إخوةً لـي كرام، يـقـولـون هـذا وطـنـي لـيـبـي، وكـأن الـوطـنـيـة الـلـيـبـيـة رداءٌ يـضـعـه عـلـى كـتـفـي مـن يـرضـى عـنّـي، ويُـزيـلـه ويُـسـقـطـه مـن يـغـضـب مـنّـي، وعـنـدما أقـول كـلامـاً أو أكـتـب رأيـاً لا يـعـجـبـهـم يـقـولـون هـذا مـصـراتـي، وكـأن مـديـنـتـي الـلـيـبـيـة الأصـيـلـة الـتـي أفـتـخـر أنـنـي مـنـهـا، تـهـمـةٌ عـلـيَّ أن أتـبـرأ مـنـهـا، كـي يـرضـى عـنـي الـجـهـويـون الـجـاهـلـيـون، أنـا الـلـيـبـي الـوطـنـي الـذي لا يـخـتـصـر وطـنـه فـي مـديـنـتـه، ولا يـرى مـديـنـتـه أكـبـر مـن وطـنـه.
أيـهـا الـكـرام / هـذا بـراحٌ لـلـراي الـحـر، والاخـتـلاف الـمـنـضـبـط بـقـيـم الاحـتـرام الـمُـتـبـادل لا بـقـيـود الـخـوف الـمُبـتـذل، والـحـوار الـهـادف، والـتـفـاعـل الإنـسـانـي، والـتـفـكـيـر الـبـنـاء، والـعـصـف الـذهـنـي الـمـفـيـد.
هــكــذا أراه، وهــكــذا أتـعـامـل مـعـه، ولـهـذا أتـواجـد فـيـه، أمّـا الـذيـن يـرونـه فـضـاءً لـلـفـظـاعـات، أو مـتـحـفـاً لـتـمـاثـيـل الـشـمـع الـصـامـتـة، أو مـقـامـاً لـلـمـتـشـابـهـيـن غـيـر الـمـشـتـبـكـيـن، أو بـازاراً لـلـسـمـسـرة والـبـيـع والـشـراء، أو مـكـانـاً لـلـدراويـش الـمُـغـيَّـبـيـن يـهـزّون رؤوسـهـم عـلـى إيـقـاع دفـوف الـمـجـامـلات وطـبـول الـمـديـح ومـزامـيـر الـثـنـاء، فـلـسـتُ مـنـهـم، ولـسـت مـعـهـم، فـلـيـبـقـوا حـيـث اخـتـاروا الـبـقـاء فـي أقـفـاص الاحـتـواء، وزنـزازيـن الـتـراضي، وسـأبـقـى مُـحـلّـقـاً فـي آفـاق حـريـتـي الـمـقـدسـة عـنـدي، مُـسـتـمـتـعـاً بـحـقـيـقـة أنـنـي بـشـر أُخـطـيء وأُصـيـب، لـكـنـنـي لـسـتُ عـصـفـوراً أصـطـاد الـديـدان وتـصـطـادنـي الـغـربـان.
نــعــم أنـا أكـتـبُ لـكـم، لـكـنـنـي أكـتـب ذاتـي، وذاتـي لـيـسـت مـنـزّهـة، لـكـنـهـا بـفـضـل الله لـيـسـت مُـشـوهـة، ومـداد قـلـمـي مـن قـلـبـي الـذي لا يـعـتـرف بـرهـافـة الـخـوف، لـكـنـه يـعـرف صـلابـة الـمـوقـف، وثــمـن الـمـوقـف.
ولـكـمُ قـبـل كُـل شـيء، وبـعـد كُـل شـيء، ورغـم أي شـيء، كـل الـمـحـبـة والامـتـنـان والـعـرفـان.