أنيس البرعصي
يخرج السيد عاشور من منزله في نزهة حول المدينة التي تقول منشورات الصفحات الناعمة بأنها تشهد أجواء رمضانية جميلة، تمر من أمامه سيارة تكاد تدهسه لأن سائقها البدين يمسك بالمقود بيد، فيما يده الأخرى مشغولة في اعطاء أطفاله بالمقعد الخلفي دروس في الملاكمة، مع تأثيرات بصرية مرعبة يقدمها وجهه “الأفطح” كقفاز بيسبول .. وجهه الملئ بالعرق و الحنق وفمه المحاط بالرغوة الذي يصدر موجات صوتيه قادرة على اختراق الدروع الصاروخية لكنه عاجز على افهام أطفاله المستفزين .
يستمر في المشي .. تمر سيارة أخرى .. من الطريق العكسي .. سيارة دفع رباعي يقودها صرصار بشري لاوزن له ولا ظل لكنه يضغط بكل قوته على دواسة الوقود فيملأ كلا المحرك و الإطارات الشارع بغبار خانق وصوت لعين مستفز يجعلانك تتمنى له حادث سير سعيد .. خلف ذلك الضباب ثمة رجلان يتبادلان اللكمات و العض و الشتائم .. دعاة الخير “الحزازة” يتشابكون أيضا و لا أحد يعلم السبب .. ربما حادث سير .. أو أحدهم سطى على دور الآخر في محطة البنزين .. على بعد 300م .. عجوز تقفز عاليا مع أكياسها البلاستيكية المليئة بالطماطم و السلك و أقراص الأدوية بسبب فرقعة ألعاب نارية أسفل قدميها .
يعبر السيد عاشور تلك المشاهد كما يعبر منجل في حقل قمح دون أن يحرك ساكنا أو يتدخل بحرف حتى يصل إلى ناصية الشارع، حيث يلتقي بصديقه الجندي .. لكنه على غير العادة لم يشتم الدبيبة و لم يشكو من تأخر المرتبات التي قام بتعطيلها ولم يخض في تفاصيل معاناة رمضان و الفقر المدقع و الثلاجة الفارغة .. فقط يخبره بضحكة يائسة نكتة سوداء تحمل في طياتها البؤس و شيء التبلد “قالوا أي حد عنده رقم عسكري يفطر عادي” ثم ينفجر ضاحكا ..ضحكة شخص تجزم أن زوجته ستفطر في منزل أهلها و تحمد الله أنك لست في مكانه لتعاني الأمرين .. عاشور لايرد .. يستمر في هز رأسه .. و ابتلاع شتائمه و دموعه .. لأنه يعلم بأن شيئا لن يتغير .. يضع يده في جيبه .. يتحسس ولاعته .. يتذكر إنه صائم ..يفكر بإشعال شيء آخر بدلا من السيجارة أو يفتح حسابه على الفيسبوك ليسأل ابناء الطاهرات عن الطريق المؤدي إلى المدينة التي تحتفي بها صفحاتهم ؟