- قصة قصيرة :: خديجة زعبية
لم أعد ألحظ وجوده، هذا ماكنت أقنع نفسي به طوال فترة الشهرين، كرست أيامي خلالها للكثير من الأعمال بحيث في المساء أكون منهكة تماما و أبتعد عن مجرد التفكير والتأمل. تناكفني صديقتي أحيانا بأسلوبها المستفز المحبب فطالما أخبرتني بأنني أبدو أجمل من السابق و أصبحت أمتلئ نشاطا و حيوية و تضيف في بعض الأوقات أن تسريحتي و لون ملابسي يتناسب مع المظهر الجديد و كانت تضغط بصوتها على جملة” مظهرك الجديد” أبتسم لها على الرغم من أنني أعلم مقصدها دائما من أحاديثها، تتعالى أصوات ضحكاتنا و في أوقات كثيرة رأيت ملامح الاستغراب على من يحيطون بنا في المقهى. أنا أفضل القهوة دون إضافات معها هي تفضلها زيادة بالسكر مع طبق من الكيك المحلى بالعسل، أنصحها بأن تبتعد عن السكريات تجيبني أن الحلو لا يحب إلا الحلو و تطلب مني أن أبقى مع مرارة أيامي و أتركها لحلاوة أوقاتها. نتابع حركة سيارات الشارع عبر النافذة كانت تختار الأحدث وتنسبها لنفسها و تختار لي الأقدم. صوت فيروز في صباحاتنا يهدينا شيئا من رونقه في كل يوم حتى أننا ندمن عليه وإن حدثت قهوة دونه تصبح دون طعم ولافائدة هكذا كانت تخبرني سلوى دائما. حتى في الشغل نتشارك غرفة مكتب واحدة تتولى هي معاملات المترددين على المكتب و يكون عملي إيصال الملفات للإدارة في الطابق العلوي، كانت أحيانا تشتكي من مضايقات بعض المراجعين و لكنها تريد أن تكون قوية حتى لاتكون فريسة لأحدهم على حد تعبيرها، أضحك لأسلوبها الجاف كثيرا تقول تعلمي يابنت كيف تواجهين المتاعب لاتكوني طيبة زيادة عن اللزوم، أضحك لطريقة نصحها تنتابني حالة من الأسى لأنها لامست جزئية قررت دفنها في مرحلة من حياتي. قبل أيام تغيبت عن الدوام لارغبة لي في الحديث مع أحد كنت في أقصى درجات انفعالي هكذا دون سبب، طرقات على باب الغرفة لا أجيب، تتوالى و يعلو صوت أختي مناديا عليّ لا أهتم، تريد فتح الباب كنت أغلقته بالمفتاح، أصيح فيها اتركيني وشأني، يعلو هرج في الصالة أمي غاضبة و أخي يغادر دون أن يأخذهم للمنتزه كما كان مخططا و كنت أنا السبب. أختي لماذا لا نرتاح من طباعك الغريبة يتعالى رنين الهاتف على السرير تظهر صورة سلوى على الشاشة، لا أرد ،تعيد ولا تمل حتى تصلني رسالتها” أنتظرك في المقهى لا تتأخري!!” أتثاقل على نفسي وأتصل بها، تجيبني بأنها ألغت الموعد في المقهى و هي أمام باب بيتنا الآن، المجنونة، تطرق باب غرفتي بهدوء فأفتح لها ، تجلس بجواري بصمت و كأني بها ليست سلوى التي أعرفها، تشبك أصابعها بيدي نتقاسم الصمت والحزن، لا أعلم هل تحاول مواساتي أم أنها تحتاج لمن يواسيها؟! ككل المرات أستسلم لها ولرغبتها في إخراجي من مزاجي السيء تحتملني و تتغاضى عن تصرفاتي كنت دائما بحاجة لها و اليوم بالذات أفتقدها أكثر. سافرت سلوى مع من اختارته رفيقا ليكمل درب الحياة معها، كنت أنا من شجعتها على اتخاذ القرار و ساهمت كثيرا في إقناعها، و ياسلوى ياحبيبتي العمر يمر و أنت غير منتبهة، استغلي هذه الفرصة الثمينة. تتدارك الحديث معي قائلة بأن عمري كذلك يمضي دون أن أشعر أغير الأحاديث دائما لأني أريد سعادتها و لأني حزنت أكثر على وداعها في المطار بالأمس و أنا ألمح طيفها بداية حلم يتشبث بالنور.